اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 71
آخر أمرك، و هو معنى قولهم منتهى الكمال
مبدأ الشرائع. و قالوا أيضا: نهاية السالكين بداية المجذوبين، و نهاية المجذوبين
بداية السالكين. و قالوا أيضا: علامة النهاية الرجوع إلى البداية، و سيأتي الكلام
على هذا في محله إن شاء اللّه و قوله:
فهذي صلاة العارفين بربهم، لأنهم تطهروا الطهارة الأصلية و صلوا
الصلاة الدائمة قال اللّه تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ دائِمُونَ [المعارج: 23]، فالعوام حد صلاتهم
أوقاتهم، و العارفون في الصلاة على الدوام، قيل لبعضهم:
هل للقلوب صلاة؟ فقال: نعم إذا سجد لا يرفع رأسه أبدا، أي إذا سجدت
الروح لهيبة الجلال و الجمال لا ترفع رأسها أبدا، و إليه أشار الششتري بقوله:
فاسجد
لهيبة الجلال عند التداني
و
لتقرأ آية الكمال سبع المثاني
و قوله: فإن كنت منهم فانضح البر بالبحر، أي فإن كنت من العارفين
المحققين فانضح بر شريعتك ببحر حقيقتك، بحيث ترش على شريعتك من بحر حقيقتك حتى
تغمرها و تغطيها، فتصير الشريعة عين الحقيقة، و الحقيقة عين الشريعة، حتى يصير
عملك كله باللّه و اللّه تعالى أعلم، و باللّه التوفيق و لا حول و لا قوة إلا
باللّه العلي العظيم. و إذا دخل القلب حضرة القدس و محل الأنس، فهم دقائق الأسرار
و ملئ بالمواهب و الأنوار و إلى ذلك أشار بقوله:
[أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار و هو لم يتب من هفواته].
الرجاء: تمني الشيء مع السعي في أسبابه، و إلا فهو أمنية و الفهم:
حصول العلم بالمطلوب، و دقائق الأسرار: غوامض التوحيد، و التوبة: الرجوع عن كل وصف
ذميم إلى كل وصف حميد، و هذه توبة الخواص، و الهفوات: جمع هفوة و هي الزلة و
السقطة. قلت: فهم دقائق الأسرار لا يكون أبدا مع وجود الإصرار، أو تقول فهم غوامض
التوحيد لا يكون إلا بقلب فريد، فمن لم يتب من هفواته و يتحرر من رق شهواته، فلا
يطمع في فهم غوامض التوحيد و لا يذوق أسرار أهل التفريد.
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 71