اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 482
متوسط: أي مركب من ملك و ملكوت، فلو قال:
جعلك عالما متوسطا بين ملكه و ملكوته لأفهم المراد بسهولة: أي لست ملكا فقط و لا
ملكوتا فقط، بل جعلك متوسطا بينهما: أي مركبا منهما كقوله صلى اللّه عليه و آله و
سلم: «كنت نبيّا و آدم بين الماء و الطين[1]»
أي:
مركبا منهما دون روح، و لكن عبارة الشيخ فيها إلغاز و تدقيق إشارة، و
علمنا كله إشارة، و إنما جعلك بين ملك و ملكوت، ليعلمك جلالة قدرك و فخامة أمرك
قال تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ
[الاسراء: 70]، و قال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 4]، و ليعلمك أيضا أنك جوهرة
نفيسة مصونة في صدف نفيس، و هو الكون بأسره، فتطوى عليك أصداف مكوناته من عرشه إلى
فرشه، فأنت أيها الإنسان كالياقوتة في صدف، الأرض تقلك، و السماء تظلك، و الجهات
تكتنفك، و الحيوانات تخدمك و تنفعك، و الجمادات تدفع عنك، و أنت في وسط الجميع،
فالأفلاك دائرة بك، و الشمس و القمر منيران لما أنت فيه، فأنت جوهرة الصدف، و لباب
الكون و مداره عليك. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي اللّه تعالى عنه:
الأكوان كلها عبيد مسخرة و أنت عبد الحضرة. و قد ورد في بعض الكتب:
يا ابن آدم أنا بدّك اللازم فألزم بدك. و في بعض الآثار المروية عن اللّه عز و
جلّ: «يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك، و خلقتك من أجلي، فلا تشتغل بما هو لك عمن
أنت له[2]». و قد
قالوا في عجائب الإنسان:
إن الوجود كله منطو فيه، فهو نسخة من العالم الأكبر.
و مما ينسب لأبي العباس المرسي رضي اللّه تعالى عنه:
يا
تائها في مهمه عن سرّه
انظر
تجد فيك الوجود بأسره
[1] - أورده العجلوني في الكشف( 2/ 173)، و نقل قول
الحفاظ: إنه لا أصل له بهذا اللفظ، قلت: و لكنه جاء بلفظ آخر و من طرق متعددة،
منها حديث ميسرة الفجر و فيه:
( بين الروح و الجسد)، رواه
الحاكم( 2/ 608)، و قال الزبيدي في شرح الإحياء( 1/ 453): أي لم يكن بعد روحا و لا
جسدا، و جاء بلفظ:( و إن آدم لمنجدل في طينته)، عند الحاكم( 2/ 609)، و معناه: أي
ملقى على الأرض. و بالجملة: فالحديث و إن لم يثبت نقلا باتفاق إلا أنه ثابت كشفا
عند أهله باتفاق، و هو المراد معرفته.