اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 453
العلوي، فهو منه سبحانه إنعام و إحسان،
لكنها في قالب الامتحان، فلا يذوقها إلا أولو البصائر الحسان، فهذا ما أشار إليه
بقوله:
230- علم أنك لا تقبل النّصح لمجرد القول، فذوقك من ذوقها ما سهّل
عليك فراقها.
قلت: قد علم الحق سبحانه أن من عباده من لا يقبل النصح بمجرد القول،
فلا يزهد في الدنيا بمجرد سماع الوعظ، إذ كثير من أهل العلم و الفهم يسمعون القرآن
يقرعهم عليها، و يحذرهم من غرورها و هم غائبون عن ذلك التذكير، مشغولون بما يوجب
لقلوبهم التنكير، فلما أراد سبحانه أن يصطفي لحضرته من شاء من عباده نغصها عليهم،
و شدد عليهم البلاء و المحن، و أجرى على ظاهرهم مواقع الفتن، كل ذلك عناية بهم،
ليذوقوا مرارة باطنها، فلا يغتروا بحلاوة زخرف ظاهرها. سئل رسول اللّه: من أولياء
اللّه الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون؟
قال: «الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، و
اهتموا بآجلها حين اهتم الناس بعاجلها[1]»
الحديث. و قد تقدم عند قوله: الأكوان ظاهرها غرة، و باطنها عبرة، فكل ما ينزل
بالولي من هذه التعرفات الجلالية التي تغير النفس و تقهرها فهو خير كثير في حقه،
فقد قالوا:
الامتحان بقدر الإمكان، و كل محنة تزيد مكنة، و اختبار الباقي يقطع
التباقي، فقد تبقى في القلب بقية من حب شيء من هذا العالم، أو ركون لشئ من
الدنيا، فيسلط عليه من يشوشه عليه و ينغصه لديه، كل ذلك عناية به، ليرحل من هذا
العالم إلى عالم الملكوت، فإذا تحقق رحيله استوى عنده الحلو و المر، و العز و
الذل، و الغنى و الفقر، لأنه تحقق أن كلا من عند اللّه و ما في الوجود سواه، و هذا
هو العلم الحقيقي الذي هو العلم النافع، و إليه أشار بقوله:
231- العلم النافع هو الذي ينبسط في الصدر شعاعه، و ينكشف به عن
القلب قناعه.
[1] - رواه ابن أبي الدنيا في الأولياء( ص 15)، و ابن
أبي عاصم في الزهد( ص 60)، و أبو نعيم في الحلية( 1/ 10).
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 453