اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 339
أنوار الإسلام و أنوار الإيمان، ثم تشرق
أنوار الإحسان فيتغطى وجود الأكوان. قال في التنوير:
و لو انهتك حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان، و لأشرق نور
الإيقان، فغطى وجود الأكوان انتهى. و اعلم أن وجه اصطلاح الصوفية رضي اللّه عنهم
في ترتيب الإسلام أولا، ثم الإيمان، ثم الإحسان: أن العبد ما دام مشغولا بالعبادة
الظاهرة الحسية سمي ذلك المقام مقام الإسلام، فإذا انتقل العمل للقلب، و هو
اشتغاله بتصفية القلب، بالتخلية و التحلية و تحقيق الإخلاص سمي ذلك مقام الإيمان،
فإذا انتقل العمل للروح و للسر، و هو الفكرة و النظرة سمي مقام الإحسان، بخلاف
الفقهاء فإنهم يقدمون الإيمان على الإسلام، فيقولون: لا يصح شيء دون الإيمان[1]، و لا مشاحة في الاصطلاح: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ
[البقرة: 60].
قال بعض المحققين: اعلم أن لعالم الملك و هو عالم الشهادة أنوار
ظاهرة، و لعالم الملكوت و هو عالم الغيب أنوار باطنة، و أشهر ما في عالم الملك
ثلاثة أنوار: نور الشمس، و نور القمر، و نور النجوم، و يقابلها من عالم الملكوت:
نور المعرفة، و نور الفهم، و نور العلم، فبطلوع نجم العلم في ليل الجهل تبدو
الآخرة و الأمور الغيبية، و بطلوع قمر الفهم في أفق التوحيد يشاهد قرب الحق، و
بطلوع شمس المعرفة في أفق التفريد يقوى اليقين و يلوح وجه المشاهدة، و أول نور يلج
في الصدر نور الإسلام، فإذا انشرح القلب به انقذف فيه نور الإيمان، فإذا تقوى فيه
صار شهودا انتهى المراد منه. قلت: و بهذا النور وسع القلب معرفة الحق، و هو الذي
أشار إليه في الحديث القدسي: «لن يسعني أرضي و لا سمائي، و وسعني قلب عبدي المؤمن[2]»، فانظر هذا القلب الذي وسع الرب
سبحانه ما أعظمه و أجله، فتحبب يا أخي إلى أرباب هذه القلوب، التي وسعت علام
الغيوب، حتى يوصلوك إلى ما وصلوا إليه من علم الغيوب، و باللّه التوفيق.
ثم ذكر ثمرة النور و هي الكشف عن حقائق الأشياء، فقال:
[1] - و الاختلاف الناشئ هو اختلاف في معنى كلمة
الإيمان، فالشارح رضى اللّه عنه يجعلها من مقامات السلوك، أما علماء الشريعة
فالإيمان عندهم هو العقيدة في الغالب. و عند من وافق الفقهاء من الصوفية يندرج
الإيمان و الإحسان المذكوران في الشرح في مقام الإحسان الذي هو مجمع كل منازل
السلوك ما تعلق منها بالقلب أو بالروح و السر.
[2] - رواه الديلمي في الفردوس( 3/ 174)، و ذكره
العجلوني في كشف الخفاء( 2/ 255).
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 339