اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 289
أو تقول: من أهمله اللّه و تركه مع نفسه و
هواه لا نهاية لمذامه و قبائحه، فإن للنفس من النقائص ما للّه من الكمالات، و من
تولاه اللّه و أظهر جوده عليه و لم يتركه مع نفسه و أزعجه عن حظه و حال بينه و بين
هواه فلا نهاية لمدائحه، إذ كمالات اللّه لا نهاية لها، و ما هنا إلا مظاهره، فكما
لا نهاية لجلاله كذلك لا نهاية لجماله، و اللّه تعالى أعلم. هذا آخر الباب الثاني عشر.
و حاصلها: تعظيم الأوراد، و التأهب لورود الأمداد، و تصفية البواطن
من الأكدار لتشرق عليها شموس الأنوار، و هي شموس العرفان، فيفنى العارف عن التدبير
و الاختيار، فكل يوم ينظر ما يفعل الواحد القهار، فيتأنس حينئذ بكل شيء و يتأدب
مع كل شيء و يعظم كل شيء و لا يستوحش من شيء لمعرفته في كل شيء؛ فيستأنس في
هذه الدار بالنظر إلى اللّه في حجاب صفاته و هي مظاهر مكوناته، و سيكشف له في تلك
الدار عن كمال ذاته من غير حجاب صفاته.
و ذلك أنه لما علم أنه لا يصبر عنه أشهده ما برز منه، و لما علم أن
من عباده من لا يقدر أن يشهده في مكوناته أشغله بخدمته و علم أيضا أنه إن دام على
عمل واحد ربما حصل له الملل، لوّن له الطاعة و العمل، و علم ما في عبده من الشره
فحجرها عليه في بعض الأوقات ليكون همه إقامة الصلاة لا وجود الصلاة، ثم ذكر
ثمراتها و نتائجها، و نهاك عن طلب العوض عليها لكونك لست عاملا لها، و إنما هو فضل
من اللّه عليك، خلق فيك القوة و نسبها إليك، فإن ردك إلى نفسك و تركك مع هواك لا
تتناهى مذامك، و إن أخذك عن نفسك و تولاك بجوده و فضله لا تفرغ مدائحك، حيث صرت
وليّا من أوليائه و صفيّا من أصفيائه، جعلنا اللّه منهم بمنه و كرمه آمين.
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 289