اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 27
ملئت بالعلوم و المعارف و الأنوار، و لا يصح
الانتقال إلى مقام حتى يحقق ما قبله، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، فلا ينتقل
إلى عمل الطريقة حتى يحقق عمل الشريعة و ترتاض جوارحه معها بأن يحقق التوبة
بشروطها و يحقق التقوى بأركانها و يحقق الاستقامة بأقسامها، و هي متابعة الرسول صلى
اللّه عليه و آله و سلم في أقواله و أفعاله و أحواله، فإذا تزكى الظاهر و تنور
بالشريعة، انتقل من عمل الشريعة الظاهرة إلى عمل الطريقة الباطنة، و هي التصفية من
أوصاف البشرية على ما يأتي، فإذا تطهر من أوصاف البشرية تحلى بأوصاف الروحانية و
هي الأدب مع اللّه في تجلياته التي هي مظاهره، فحينئذ ترتاح الجوارح من التعب، و
ما بقي إلا حسن الأدب. قال بعض المحققين: من بلغ إلى حقيقة الإسلام لم يقدر أن
يفتر عن العمل، و من بلغ إلى حقيقة الإيمان لم يقدر أن يلتفت إلى العمل بسوى
اللّه، و من بلغ إلى حقيقة الإحسان لم يقدر أن يلتفت إلى أحد سوى اللّه، انتهى. و
لا يعتمد المريد في سلوك هذه المقامات على نفسه و لا على عمله و لا على حوله و
قوته، و إنما يعتمد على فضل ربه و توفيقه و هدايته و تسديده قال تعالى: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
[القصص: 68].
و قال تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ
ما فَعَلُوهُ [الأنعام: 112]، وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ
رَحِمَ رَبُّكَ [هود 118: 119]، و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «لن يدخل أحدكم
الجنة بعمله، قالوا: و لا أنت يا رسول اللّه؟ قال: و لا أنا إلا أن يتغمدني اللّه
برحمته»، فالاعتماد على النفوس من علامة الشقاء و البؤس، و الاعتماد على الأعمال
من عدم التحقق بالزوال، و الاعتماد على الكرامة و الأحوال من عدم صحبة الرجال، و
الاعتماد على اللّه من تحقق المعرفة باللّه، و علامة الاعتماد على اللّه أنه لا
ينقص رجاؤه إذا وقع في العصيان، و لا يزيد رجاؤه إذا صدر منه إحسان، أو تقول: لا
يعظم خوفه إذا صدرت منه غفلة كما لا يزيد رجاؤه إذا وقعت منه
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 27