responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 243

و ورود الأسباب المحركة لظهور تلك الفاقة و هي الشدة و الحيرة و كل ما يلجئك إلى مولاك مذكرة لك ما خفي عنك منها، يعني أن فاقتك لا تفارقك؛ إذ كل لحظة تفتقر إلى من يمدك بالوجود في الساعة الثانية، إلا أنها خفية لا تذكرها حتى يتحرك عليك أسباب ظهورها، كالفتن و المرض و غيرهما، و الفاقة الأصلية الذاتية لا ترفعها العوارض، و هي الصحة و العافية، فما دام العبد في العافية ففاقته خفية لا يتفطن لها إلا العارفون؛ لأنه لا يزول اضطرارهم، فإذا قام عليه جلال أو محرك ظهر افتقاره، و تحقق اضطراره، مع أنه دائم في الفاقة حسه و معناه، و اللّه تعالى أعلم. ثم إن رجوع الشي‌ء إلى أصله مرغب فيه، و خروجه عن أصله لا خير فيه، و أصلك أيها الإنسان هو الفاقة و الاضطرار و الذلة و الانكسار؛ فكل ما يردك إلى أصلك فهو لك في غاية الحسن و الاختيار، كما أبان ذلك بقوله:

100- خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك، و ترد فيه إلى وجود ذلّتك.

قلت: إنما كان شهود الفاقة هو خير أوقاتك لوجهين:

أحدهما: ما في ذلك من تحقيق العبودية، و تعظيم شأن الربوبية، و في ذلك شرف العبد و كماله؛ إذ بقدر تحقيق العبودية في الظاهر يعظم شهود الربوبية في الباطن، أو تقول: بقدر العبودية في الظاهر تكون الحرية في الباطن، أو تقول:

بقدر الذل في الظاهر يكون العز في الباطن، أو تقول: بقدر وضع الظاهر يكون رفع الباطن من تواضع دون قدره رفعه اللّه فوق قدره، و انظر أشرف خلق اللّه و هم الأنبياء بماذا خاطبهم اللّه تعالى؟ فما خاطبهم إلا بالعبودية، قال اللّه تعالى:

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‌ بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: 1]، وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ‌ [ص: 45]، وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [ص: 17، وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ‌ [ص: 41]،، و قد أختارها نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم حين خيّر بين أن يكون نبيّا ملكا أو نبيّا عبدا فاختار

اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 243
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست