اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 234
و أما إن كان لا يعرفه إلا في الجمال فهذه
معرفة العوام الذين هم عبيد أنفسهم فإن أعطوا رضوا و إن لم يعطوا إذا هم يسخطون، و
أيضا من ثمرات المعرفة التسليم و الرضا لما يجري به القضاء، و من ثمرات المحبة و
الهوى الصبر عند الشدائد و البلوى:
تدّعي
مذهب الهوى ثمّ تشكو
أيّ
دعواك في الهوى قل لي أينا
لو
وجدناك صابرا لهوانا
لأنلناك
كلّ ما تتمنّى
فلا يكون المحب صادقا في محبته، و لا العارف صادقا في معرفته حتى
يستوي عنده المنع و العطاء و القبض و البسط و الفقر و الغنى و العز و الذل و المدح
و الذم و الفقد و الوجد و الحزن و الفرح، فيعرف محبوبه في الجميع، كما قال القائل:
حبيبي و محبوبي على كل حالة، و يرضى و يسلم له في الجميع، فإن لم يجد
ذلك عنده سواء فلا يدعي مرتبة العشق و الهوى، فيعرف قدره و لا يتعدى طوره، و لا
يترامى على مراتب الرجال من ادعى ما ليس فيه فضحته شواهد الامتحان و لابن الفارض
رضي اللّه تعالى عنه:
فإن
شئت أن تحيا سعيدا فمت به
شهيدا
و إلا فالغرام له أهل
و قال إبراهيم الخواص رضي اللّه تعالى عنه: لا يصح الفقر للفقير حتى
تكون فيه خصلتان إحداهما: الثقة باللّه، و الأخرى: الشكر للّه فيما زوي عنه مما
ابتلي به غيره من الدنيا، و قيل لبعضهم: ما الزهد عندكم؟ قال: إذا وجدنا شكرنا، و إذا
فقدنا صبرنا، فقال هذه حالة الكلاب عندنا ببلخ، فقال: و ما الزهد عندكم أنتم؟ قال:
إذا فقدنا شكرنا، و إذا وجدنا آثرنا، فهذا هو الفهم عن اللّه حيث شكر حين الفقد،
فقد عد الفقد نعمة، و الفاقة غنى لما يجد فيها من المواهب و الأسرار، و لما يترقب
بعدها من ورود الواردات و الأنوار، و لو لم يكن إلا التفرغ من الشواغل و الأغيار،
و بهذا تزكو الأحوال، و تعظم الأعمال، و يتأهل صاحبها للقبول و الإقبال و إلا فلا
عبرة بصور وجودها مع عدم قبولها،
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 234