اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 197
الباب التاسع
قال رضى اللّه تعالى عنه:
75- خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك.
قلت: و الذي طالبه منا هي الاستقامة ظاهرا و باطنا، و مرجعها إلى
تحقيق العبودية في الظاهر، و كمال المعرفة في الباطن، أو تقول: الذي هو طالبه منا
إصلاح الجوارح الظاهرة بالشريعة قياما برسم الحكمة و إصلاح القلوب و الأسرار
الباطنة بالحقيقة قياما بوظائف القدرة، أو تقول: الذي طلبه منا امتثال أمره و
اجتناب نهيه و الإكثار من ذكره و الاستسلام لقهره. فالأكمل في حق العارف أن يستغني
بعلم اللّه، و يكتفي بسؤال الحال عن طلب المقال. فإن تجلى فيه وارد الطلب، فخير ما
يطلبه من سيده ما هو طالبه منه و هو ما تقدم ذكره، ففي بعض الأحاديث: «إنّ اللّه
لا يسأل الخلق عن ذاته و صفاته و لا عن قضائه و قدره، و لكن عن أمره و نهيه[1]». قلت: لأن الأمر و النهي في كسبه
و مكلف به، و معرفة الذات و الصفات و الرضا و التسليم، إنما هي مواهب جزاء الأعمال
و نتائج الامتثال، فإذا فعل ما أمره به سيده رزقه المعرفة به المعرفة العامة، و هي
معرفة الدليل، فإذا اشتد عطشه قبض له من يأخذ بيده حتى يعرفه به المعرفة الخاصة. و
قال بعضهم: إذا عرضت لك حاجة، فأنزلها باللّه، يعني من غير طلب ما لم يكن لك فيها
حظ فتحجب عن اللّه انتهى.
قال تعالى: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ
اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ
لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء: 32]، و فضله هو الغنى به.