فالثقة بهم دائمة لدوام المحبة منهم و ان
انضاف الى المحبة هيبة أكدت دوامها و أيدّت قوتها و اذا كان الأمر كذلك فيجب على
كل عاقل ان يبدأ اولا في حال صحته بالأفضال و الاحسان الى اهله و خدمه لتصح له
منهم المحبة و الشفقة و ليثق منهم بالقبول منه و الطاعة له و النصيحة و عنه مرض ان
عرض له فغير تمييزه و أزال هيبته عنهم و بعد ذلك فليأمرهم بالقبول من طبيبه و ليثق
منهم بالطاعة له و الشفقة عليه، و من فروع هذا الباب المقدم ذكره ان الانسان اذا
استعمل العدل مع اهله و خدمه علمهم استعمال العدل معه عند حاجته اليهم و اذا أفضل
عليهم و أحسن اليهم و ظهر لهم منه المحبة و الشفقة دعاهم ذلك الى الشفقة عليه و
المحبة له و تعلموا من افعاله بهم ما يعملونه معه. و مثال ذلك من أعتل له خادم
فدعا له بطبيب حاذق ليدبره فلم يثق في إصلاح أدوية مريضه ذلك بأحد من سائر أهله و
خدمه بل تولى تدبيره هو بيده او من يثق به بحضرته و اقبل على الاستفهام من الطبيب
جميع ما يحتاج ان يفهمه منه من أمر الدواء و الغذاء و جعل يواظب على تعرف مصالح
المريض و يقوم بها أتم قيام حتى يبرئ خادمه من مرضه فليس يشك عاقل في ان فاعل ذلك
مع خادمه مع ما[1] قد اكدّ
له من الحمد و الثناء و الشكر فانه قد علّم خادمه كيف يخدم المرضى في امراضهم و
اول من يحظى بذلك منه هو نفسه ان مرض او من يعنيه أمره ممن في منزله لانه ان كان
ذلك الخادم ذا نفس زكية، و طبع محمود كانت منزلته فيما عومل به منزلة ما بذر في
الارض النقية الزكية التي لا يضيع فيها بزر فهو لذلك يحفظ ما علمه و يتذكر ما عومل
به ليقابل الجميل بمثله و المحبة بمثلها بل بأكثر منها و يستعمل من الخدمة ما
يعلمه. فأما من رام الكفاية و القيام بالخدمة الموافقة التامة من اهله و خدمه من
دون الكفاية لهم و القيام بمصالحهم الموافقة الكاملة و التبصر لهم علما و عملا فقد
رام المحال و التمس الممتنع و ما امثاله الا كمن رام الحظ الجيد من (....) فلم
يقدم باصلاحه. و لقد رأيت من الناس اناسا دخل عليهم اصناف[2]
من الضرر من خدمهم و أهلهم بسبب جهلهم بما ذكرناه فمن ذلك أني رأيت رجلا كان به
ذات الجنب فصحّ مرضه و نفث جميع ما كان في صدره و زال حمله و استقام نفسه فأمرته
بصب الماء و منعته من بعض الاغذية فلما رأيته من غد وجدته قد حمّ و قد جدت به
أعراض رديئة فلما بحثت عن سبب ذلك عرفني بعض من يهمه أمره أنّ ام ولده اطعمته ما
نهيته عنه فعند