فقل له نعم، و اقصد بذلك أنه ليس له حقيقة
عنده، و إذا قال إن الأولياء قد انقرضوا و لم يبق منهم أحد، فقل له صدقت أي على
معتقده هو، و كذا إن قال الخضر لا وجود له فقل له نعم لا سيما إن أتى بكلام أحد
ممن ينكر ذلك كابن تيمية.
و قد خالف جماعة هذا الخلق و خالف الفقيه فوقع بينهم شرور و قذف
أعراض و سب للطائفة و ما هكذا كان الأشياخ السابقون، و كان أخي الشيخ أفضل الدين
رحمه اللّه تعالى إذا جلس إليه فقيه و أراد أن يبحث معه في علم يقول له: قال
الإمام الغزالي كذا و كذا فقلت له في ذلك، فقال: إنما تنقل لهؤلاء الفقهاء عن
الغزالي لأنه من دائرتهم في الأصل قبل التصوف، و لو أني نقلت لهم شيئا عن أحد ممن
ليس هو في دائرتهم لما قبلوه منا.
(قلت) و مما يدل على وجود الإبدال قوله صلى اللّه عليه و سلم: [إن
بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صوم و لا صلاة إنما دخلوها بسخاوة النفوس و
النصح للأمة] و كان أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه يقول: الإبدال بالشام و
النقباء بالعراق و النجباء بمصر، و قد سئل الإمام أبو عبد اللّه بن ماجد الجريمي
رحمه اللّه تعالى أيكون من النساء أبدال، قال: نعم.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: لو لا الإبدال لخسفت
الأرض بمن فيها و لو لا الصادقون لفسدت الأرض و لو لا العلماء لكان الناس كالبهائم
و لو لا السلطان لأهلك الناس بعضهم بعضا و لو لا الحمقى لخربت الدنيا و لو الريح
لأنتن ما بين السماء و الأرض، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: ما من
نبي إلا و له نظير من أمته ا ه و الحمد للّه رب العالمين.
رياضة النفوس
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة رياضة نفوسهم حتى يصير أحدهم ينظر الذي عليه ببادئ الرأي دون الذي له فإذا
سمع نحو قوله تعالى: [هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ][1]
يرى نفسه جاهلا و يرى جميع أقرانه علماء ببادئ الرأي و أنه لا يستوي مع واحد منهم
و لا يقاربه في مقام و لا حال، عكس ما يتبادر إلى الذهن لا سيما ذهن من لم يجاهد
نفسه، فاعلم ذلك و اعمل عليه تجد فيه راحة عظيمة، و الحمد للّه رب العالمين.