و كان عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما
يقول: مررت على مقبرة فرأيت شخصا خارجا من قبر و هو يلتهب نارا من فرقه إلى قدمه،
فقال لي: يا عبد اللّه اسقني ماء، فلا أدري أعرفني باسمي أم ناداني كما ينادي
الرجل من لا يعرفه، فأردت أن أسقيه فقال لي الموكل به: لا تسقه، و لا زال يضربه
بالسوط حتى رجع إلى قبره فانطبق عليه، و كان عطاء السلمي رحمه اللّه تعالى كثيرا
ما يخرج بعد العشاء إلى المقابر فلا يزال يناجيهم إلى الصباح و يرجع، و كان يقول يا
أهل المقابر متم فواموتاه و عاينتم أعمالكم فوا عملاه اه.
و قد مر عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما يوما على مقبرة ففرش رداءه
و صلى ركعتين هناك فقيل له في ذلك فقال: ذكرت أهل القبور و قد حيل بينهم و بين
العبادة فأحببت أن أتقرب إلى اللّه تعالى بركعتين بينهم، و كان أبو الدرداء رضي
اللّه عنه يقول: إن أعمالكم تعرض على موتاكم فتارة يسرون و تارة يحزنون، و كان
كثيرا ما يقول اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا تخزي به أمواتي بين الأموات.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى إذا حضر دفن ميت يكاد يغشى عليه
و يقول:
و اللّه إن أمرا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله و يخاف من آخره، و
اعلم يا أخي أنه ليس من أخلاق القوم حفر قبورهم في حال حياتهم أدبا مع اللّه
سبحانه و تعالى في قوله عز و جل: [وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ][1] أي تدفن، و لكن قد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى حفر
قبره بدير سمعان هو و فتيانه فجعل يحفر و الفتيان ينقلون التراب حتى فرغ من حفره
فدفن فيه يوم السابع.
و كذلك قد بلغنا عن رجلين من بني خولان أنهما حفرا قبريهما بباب
القرافة بمصر و نقشا اسميهما على لوح رخام هناك و أنهما يشهدان أن لا إله إلا
اللّه و أن محمدا رسول اللّه، و قد قرأته أيام سياحتي و لم يكن أحدهم يبني على
قبره قبة و لا يعمل له مقصورة و لا يزخرف له حائطا و لا يجعل له في طبقات قبته
قمرية، خلاف ما حدث من بعض متصوفة زماننا و ربما كان من مال بعض الظلمة، فاحذر
أيها الأخ الصالح من مثل ذلك فقد قالوا كم من ضريح يزار و صاحبه في النار، و قد
رأيت شيخا من مشايخ العجم باع كتبه و ثيابه و أمتعة داره و عمل له قبة و تابوتا و
سترا و شخاشيخ و نحو ذلك صرف عليه جملة كثيرة ثم كتب على بابها يقول: