فيما في يدك ليختص به دونك فلا هو يتصدق به
عنك، و لا هو يدعه في يدك لتنفق منه في مرضاة اللّه تعالى، و أما حلائلك فهن مثل
الكلبة في البصبصة و الهرير، و أما كلالتك فو اللّه لدرهم يصل إليهم بعد موتك أحب
إليهم من حياتك، و أما خادمك فمثل الثعلب في الحيل و السرقة فلا تطلب المحبة من
هؤلاء و تدخر مالك لهم و توفر ظهرك فإنهم إنما هم معك على غلالة فإذا وضعوك في
اللحد رجعوا إلى بيوتهم فبخروا الثياب و عانقوا النساء و أكلوا و شربوا و بطروا
بمالك و أنت المحاسب بذلك.
و كان أبو حازم رحمه اللّه تعالى يقول: أنفقوا و لا تخشوا الضيعة على
أولادكم فإنهم إن كانوا مؤمنين فإن اللّه يرزقهم بغير حساب، و إن كانوا فاسقين فلا
تساعدوهم على الفسق بأموالكم، و كان سالم بن أبي الجعدر رحمه اللّه تعالى ينفق كل
ما دخل يده أولا فأولا فلامته امرأته على ذلك فقال لها: لأن أذهب بخير و أترككم
بشر أحب إلي من أن أذهب بشر و أترككم بخير.
و كان محمد بن يوسف رحمة اللّه تعالى يقول: أنفق على أخيك الصالح
فإنه خير لك من ورثتك فإنهم يقتسمون مالك و ينسونك و لا يرون لك فضلا عليهم و
يقولون إن اللّه تعالى جعل لنا ذلك، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى لا
يقتني في بيته شيئا سوى الحصير و المصحف و الإبريق، و قد أعطاه شخص مرة ركوة جديدة
فلما أصبح أعطاها مالك لشخص من أصحابه و قال له: خذها يا أخي فإنها شغلت قلبي خوفا
أن يسرقها أحد من بيتي.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: دخلت يوما على أخ لي
أزوره فرأيت عينيه قد غارتا من الجوع فأخرجت له درهمين و قلت له خذهما و اشتر لك
بهما شيئا تقتات به يقويك على العبادة فأبى أن يقبلهما و قال: في قدرة اللّه تعالى
أن يقويني على عبادة هذه الليلة بلا طعام و لا شراب و إني أخاف أن آخذهما منك
فيبيتان عندي فأموت و لم أشتر بهما شيئا، و إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
قبض و لم يجدوا في بيته دينارا و لا درهما، قال: و لما حضرت الوفاة محمد بن كعب
القرظي رحمه اللّه تعالى أنفق ماله كله فقالوا له هلا ادخرت شيئا منه لذريتك،
فقال: ادخاره لنفسي أولى و أما ذريتي فادخرت لهم فضل ربي.
و قد كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: يخاف أحدنا من فضيحة
الدنيا و فقرها و لا يخاف من فضيحة الآخرة و فقرها مع أن فقر الشخص من الأعمال
الصالحة في الآخرة يكون به أشد خجلا من الناس فبئس ما فعلنا و كان يقول إن هم
النفقة و الأكل