عليه فهو منافق يعني بذلك من تظاهر للناس
بالزهد في الدنيا، و أما من لم يتظاهر بذلك فلا و اللّه أعلم.
و كان أمير المؤمنين علي رحمه اللّه تعالى يضع الدرهم في كفه و يقول:
أف لك من درهم لا تنفعني إلا إن خرجت عني، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى
يقول: إذا دخل الدرهم الحرام من الباب خرج الحق من الكوة، فقيل له: فإن سدت الكوة،
فقال: يخرج من حيث يأتي ملك الموت، و كان العلاء بن زياد رحمه اللّه تعالى يقول:
لا يكمل العالم إلا إن عف عن الدنيا و عن النساء، و قد كان سفيان الثوري رحمه
اللّه كثيرا ما ينشد قوله:
إني
وجدت فلا تظنوا غيره
إن
التورع عند هذا الدرهم
فإذا
قدرت عليه ثم تركته
فاعلم
بأن تقاك تقوى المسلم
ا ه. فاحذر يا أخي من فضل الدنيا و اقتد بسلفك الطاهر في الزهد تسلم
من آفاتها، و الحمد للّه رب العالمين.
المحبة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
محبتهم لتقديم مريدهم خدمة اللّه تعالى على خدمتهم، فإذا دعوا أحدا إلى حاجتهم و
لم يأت لاشتغاله بتلاوة القرآن مثلا أو بذكر اللّه تعالى كان ذلك أرجح عندهم من
حاجاتهم و لو كانت ضرورية كطحن القمح و طبخ الطعام و نحو ذلك، و هذا الخلق لا يعمل
به إلا من خلص من رعونات النفس و صحت له محبة مرضاة اللّه تعالى حتى صار يقدمها
على جميع أهوية نفسه، و قد كان لي ورد في الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم
فطلب لي الذكر ليلة و استمريت فيه حتى فاتني ورد في الصلاة على النبي صلى اللّه
عليه و سلم فخجلت بعد ذلك منه عليه الصلاة و السلام حياء منه فلما أصبحت عرضت ذلك
على شيخنا سيدي علي الخواص رحمه اللّه تعالى فقال لي: لا ينبغي الخجل منه صلى
اللّه عليه و سلم لأجل ذلك فإنه صلى اللّه عليه و سلم يحب ربه سبحانه و تعالى أكثر
من نفسه بيقين فلا ينبغي أن يتوهم فيه صلى اللّه عليه و سلم أنه يتكدر منه لأجل
ذلك بل هو صلى اللّه عليه و سلم أفرح بذكر اللّه عز و جل من الصلاة عليه، على أن
الصلاة عليه صلى اللّه عليه و سلم لا بد فيها من ذكر اللّه تعالى ا ه و اللّه
أعلم.
و كذلك ينبغي أن يكون الشيخ ينشرح لاشتغال المريد بالصلاة على رسول
اللّه صلى اللّه عليه و سلم أكثر مما ينشرح إذا صار المريد يقول اللهم ارحم شيخي و
اغفر له و نحو ذلك، لكون النبي صلى اللّه عليه و سلم أحب إلى كل شيخ من نفسه و من
أهله، فافهم ذلك يا أخي و الحمد للّه رب العالمين.