كعب الأحبار رضي اللّه عنه يقول في قوله
تعالى: [إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ][1]، قال:
كان يقول أوه قبل الوقوع في النار، أوه قبل أن لا ينفع أوه، و كان الحسن البصري
رحمه اللّه تعالى يقول:
أبى اللّه إلا أن يذل من عصاه في الدنيا و الآخرة بين الناس، و ما
أذنب عبد في الليل إلا و أصبح و مذلته على وجهه، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه
تعالى يقول: في قوله تعالى: [لا يُغادِرُ صَغِيرَةً
وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها][2]، ضجوا من الصغائر قبل الكبائر.
و كان العوام بن حوشب رحمه اللّه تعالى يقول: أربع بعد الذنب شر من
الذنب و هي الاستغفار من غير إقلاع، و الاغترار بحلم اللّه، و الإصرار و الاستبشار
بالمغفرة إذا عمل بعده طاعة فقد لا يغفره اللّه بها، و كان عبد اللّه بن عباس رضي
اللّه عنهما يقول من أطاع اللّه فقد ذكره و إن قلت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن
و من عصاه فقد نسيه، و من علامة العلماء العاملين بعلمهم أن لا يوجد أحدهم إلا في
عمل صالح، و قد سئل سفيان بين عيينة رحمه اللّه عن الملائكة كيف تكتب ما هم به
العبد و لم يعمله، فقال: الملكان الكتابان عليهما الصلاة و السلام لا يعلمان الغيب
و لكن إذا هم العبد بحسنة فقد فاح منه رائحة المسك فيعلمان أنه قد هم بالحسنة، و
إذا هم العبد بالسيئة فاح منه رائحة النتن فيعلمان أنه قد هم بالسيئة.
(قلت): و لعل المراد بالهم هنا العزم المصمم ليوافق الأحاديث و
القواعد الشرعية و اللّه أعلم، و كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى يقول: إن
اللّه أمر بالطاعة و أعان عليها و لم يجعل في تركها عذرا، و نهى عن المعصية و لم
يجعل فعلها حجة و لو أراد سبحانه أن لا يعصى في الأرض أصلا لما خلق إبليس فإنه رأس
الخطيئة، و كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: ما أحب المتقون البقاء
في هذه الدار إلا ليطيعوه فيها، و كان يقول: أدخلهم اللّه الجنة قبل أن يطيعوه و
قدر عليهم المعصية قبل أن يعصوه لما سبق في علمه عز و جل، و قد كان بشر الحافي
رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركنا الناس و لهم أعمال صالحة كالجبال و مع ذلك
كانوا لا يغترون و أنتم لا أعمال لكم و مع ذلك تغترون، و اللّه إن أقوالنا أقوال
الزاهدين و أعمالنا أعمال الجبابرة و المنافقين.
و كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى يقول: إذا عصيت ربك و أصبحت رأيت
نعمه سابغة عليك فاحذر فإن ذلك استدراج، و قد أدركنا السلف و هم يستعظمون صغار
الذنوب