لأنه آخر شيء يؤجر عليه المؤمن، و كان أبو
الدرداء رضي اللّه عنه يقول: ما أهدى أخ إلى هدية هي أحب إلى من السلام، و لا
بلغني خبر عنه قط أحب إلي من موته، و قد كان عطاء السلمي رحمه اللّه يتمنى الموت
فقال له عطاء الأزرق رحمه اللّه كيف تتمنى ما نهى النبي صلى اللّه عليه و سلم عنه،
فقال: إنما يريد الحياة من يزداد كل يوم خيرا و أما مثلي و مثلك فما يرجو بالحياة.
و كان أبو عتبة الخولاني رحمه اللّه تعالى يقول: كان من صفة أصحاب رسول
اللّه صلى اللّه عليه و سلم إن لقاء اللّه تعالى أحب إليهم من الشهد، و لم يكونوا
يخافون عورا من الدنيا بل كانوا واثقين برزق اللّه، و كانوا يحبون الموت أكثر مما
يحب أحدكم الصحة، و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى يقول: قلت مرة لسهل
التستري رحمه اللّه أتحب يا سهل أن تموت غدا؟ فقال:
لا و لكن الساعة، و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: لقد
أدركنا الناس و هم يخافون من الأمراض و البلايا خوفا على أنفسهم أن يقعوا في كراهة
قضاء اللّه تعالى فلم يكن خوفهم من البلاء إلا لما فيه، و و اللّه ما أدري ماذا
يقع مني لو ابتليت فلعلي أكفر و لا أشعر، و قد بلغني أن لقمان 7 قال
لابنه: يا بني إني حملت الصخر و الحديد فلم أر شيئا أثقل من الدين، و أكلت الطيبات
و عانقت الحسان فلم أر شيئا ألذ من العافية و ذقت المرارات كلها فلم أذق شيئا أمر
من الحاجة إلى الناس.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: ابكوا على أهل البلاء و
إن كان جرمكم أعظم من جرمهم فيحتمل أنكم تعاقبون على ذنوبكم كما عوقبوا أو أشد، و
كان كثيرا ما يبعث إلى أهل السجن بما عنده من الطعام و الدراهم يقول: إنهم مساكين.
و كان سهل بن سعد التستري رحمه اللّه تعالى يقول من أعظم ما يبتلى به
العبد الفراغ من أعمال الدنيا و الآخرة و لكن لا يشعر به أنه بلاء إلا القليل من
الناس، و كان مسلم بن قتيبة رحمه اللّه تعالى يقول: من أعظم المروءة الصبر على أذى
الرجال و لقد أدركنا الناس و هم يعدون الإمارة أعظم بلاء و نراهم اليوم يطلبونها،
و كانوا إذا تولى صديقهم الإمارة يقولون اللهم إنه ذكرنا حتى يصير لا يعرفنا و لا
نعرفه، و كان يحيى بن الحسين رحمه اللّه تعالى يقول: من طلب السلامة احتمل
الملامة، و كان يقول: البلاء كله ينشأ من العافية و لو أن فرعون أصابه المرض ما
قال الذي قاله و هو قوله أنا ربكم الأعلى.
و قد سمعتا سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: من أعظم البلاء
وقوع العبد في الرياء بعلمه و عمله لكن لا يشعر بذلك إلا قليل من الناس فاعلم ذلك
و فتش يا أخي نفسك و إياك أن تقول كما قال بعض المحبين حين ابتلي اللهم إن كان في هذا
رضاك فزدني منه