المحبوس عن داره و عياله و يتكدر، كذلك يحزن
أولياء اللّه تعالى على طول عمرهم و سجنهم في هذه الدار عن لقاء ربهم عز و جل.
و في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: [و الذي نفسي
بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا، و لما تلذذتم بالنساء على
الفرش، و لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى اللّه عز و جل]، و قد كان عبد اللّه بن
مسعود رضي اللّه عنه يقول: عجبت من ضاحك و من ورائه النار، و من مسرور و من ورائه
الموت. و كان الحسن البصرى رحمة اللّه تعالى لا يراه أحد إلا ظن أنه قريب عهد و
أكفانه قد خرجت من عند القصار، و كان ابن مرزوق رحمه اللّه تعالى يقول:
من ادعى أن الذنوب غمته و أحزنته ثم جمع في إدامه بين عسل و سمن فهو
كاذب، و كان الأوزاعي رحمه اللّه تعالى يقول: في قوله تعالى:
[لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها][1]،
الصغيرة و هي التبسم في هذه الدار، و الكبيرة هي القهقهة فيها.
(قلت): و لعل مراده رحمه اللّه تعالى بالتبسم هذا الضحك بصوت يسمعه
من في مجلسه إذ التبسم كان ضحكه صلى اللّه عليه و سلم، و كان ثابت البناني رحمه
اللّه تعالى يقول: ما ضحك مؤمن قط إلا و هو في غفلة عن الموت، و كان عامر بن قيس
رحمه اللّه تعالى يقول: أكثر الناس ضحكا في الدنيا، أكثرهم بكاء في النار، و مكث
سعيد بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى لم يضحك منذ أربعين سنة حتى مات، و كذلك
غزوان الرقاشي، و كان أنس بن مالك رضي اللّه عنه يقول مع كل ضحاك في مجلس شيطان.
و قد مرت معاذة العدوية رحمها اللّه تعالى يوما على شبان يضحكون و
عليهم ثياب صوف فقالت: سبحان اللّه لباس الصالحين و ضحك الغافلين، و كان وهيب بن
الورد رحمه اللّه تعالى يقول: الضحك الذي لا إسراف فيه هو الذي يظهر به السن و لا
يسمع له الصوت، و اللباس الذي لا إسراف فيه هو ما وارى العورة و وقاك من الحر و
البرد، و الطعام الذي لا إسراف فيه هو ما سد الجوع و كان دون الشبع.
و كان عون بن أبي زيد رحمه اللّه تعالى يقول: صحبت عطاء السلمي رحمه
اللّه خمسين سنة فما رأيته ضاحكا قط، و كان عبد العزيز بن أبي داود رحمه اللّه
تعالى يقول: لما ظهر المزاح في أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنزل اللّه
تعالى: [أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
لِذِكْرِ اللَّهِ][2]، فتركوا المزاح حينئذ و خشعوا رضي اللّه عنهم انتهى.