responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تنبيه المغترين المؤلف : الشعراني، عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 257

في ظل قصره فأكل كسرة يابسة بلها بالماء ثم شرب و نام، فلما استيقظ طلبه السلطان و قال: لما أكلت الكسرة و شربت الماء عليها و نمت كنت راضيا عن ربك، فقال: نعم، فدارت الكلمة فيه ثم خرج من ملكه و لبس المسوح و خرج سائحا.

و مر رجل بعامر بن قيس و هو يأكل ملحا و بقلا فقال له: يا قيس رضيت من الدنيا بهذا، فقال: نعم و لكن أدلك على من رضى بأيسر من هذا، فقال: نعم، فقال: من رضى بالدنيا عن الآخرة.

و كان محمد بن واسع يخرج خبزا يابسا و يبله بالماء و الملح و يأكله و يقول من رضى من الدنيا بهذا لا يحتاج إلى الناس، و دق هارون الرشيد باب الفضيل بن عياض بمكة لما حج هارون فلم يفتح له، فقال جعفر البرمكي افتح لرجل يجب عليك طاعته، فعلم الفضيل أنه الرشيد ففتح له فتحادثا طويلا ثم أمر له بعشرة آلاف دينار فلم يقبلها الفضيل فقال له:

فرقها على المساكين، فقال: من جمعها فهو أحق بتفرقتها ثم غافله و هرب و ترك الرشيد في البيت، فما ظهر الفضيل حتى خرج الرشيد من مكة، و تقدم قول سفيان الثوري تعففوا عن الأكل من أطعمة الناس جهدكم فإنه ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذل له اه.

و كان يزيد الرقاشي إذا وقع بصره على قبر يصرخ كما يصرخ الثور، و كان حاتم الأصم يقول: من مر بالمقابر و لم يتفكر في نفسه و لم يدع لنفسه و لهم فقد خان نفسه و خانهم، و كان كرز بن وبرة إذا رأى قبرا بكى و قال: ليت أمي كانت عقيما فإن ولدها في القبر حبسا طويلا و من بعد ذلك أهوالا عظاما يشيب منها الأطفال.

و كان الحسن بن صالح إذا رأى القبور يقول: ما أحسن ظواهركم و إنما الدواهي في بواطنكم، و كان شقيق البلخي يقول: القبر روضة من رياض الجنة على من كان يذكره، و حفرة من حفر النار على من نسيه، و حفر الربيع بن خيثم قبرا في داره فكان كلما وجد في قلبه قساوة ينزل فيه و يتفكر في أمره و ما يلاقيه من أهوال يوم القيامة فلا يزال كذلك حتى يصح، و نزل فيه مرة و صار يردد قوله تعالى: [قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً][1] ثم قال: يا ربيع قد ارتجعناك و ها أنت في الدنيا فقم للصلاة فيقوم، و خرج الحسن البصري في جنازة امرأة الفرزدق الشاعر فقال الحسن للفرزدق ماذا أعددت لهذا اليوم؟

فقال: أعددت له شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه منذ ستين سنة، فقال: أفلحت يا فرزدق إن مت عليها.


[1] -سورة المؤمنون: الآية 99، 100.

اسم الکتاب : تنبيه المغترين المؤلف : الشعراني، عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 257
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست