الكلام و عدم ادخار شيء لغد، و قد سئل ذو
النون المصري رحمه اللّه تعالى من أقرب الناس إلى الوقوع في الكفر؟ فقال: شخص ذو
فاقة و عيال و لا صبر له.
(قلت) و وقع مثل هذا في الكفر يكون بالألفاظ التي ظاهرها السخط على
مقدور اللّه تعالى و اللّه أعلم، و كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه يقول: صاحب
الدرهمين أشد حبا للدنيا من صاحب الدرهم الواحد، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه
تعالى يقول: إن افتقر أحدكم فلا يجعل فقره بينه و بين الناس و ليجعله فيما بينه و
بين اللّه لئلا يهون في أعين الناس، و لو كشف اللّه الحجاب عن قلب العبد إذا ضيق
عليه المعيشة و رأى ما أعد اللّه تعالى له في الجنة لسأله أن يزيده من الضيق في
الدنيا.
و قد جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى بعشرة آلاف درهم
فلم يقبلها منه و قال له: تريد أن تمحو اسمي من ديوان الفقراء بدراهمك هذه و
تحبسني عن دخول الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، اذهب عافاك اللّه تعالى، و قد
روى أن اللّه تعالى أوحى إلى موسى عليه الصلاة و السلام يا موسى إذا رأيت الدنيا
مقبلة عليك فقل ذنب عجلت لي عقوبته، و كان أبو هريرة رضي اللّه عنه يقول: ثلاثة
يدخلون الجنة بغير حساب رجل أراد أن يغسل ثوبه فلم يجد له خلقة يلبسها و رجل على
مستوقده قدرين و رجل طلب شرابه فلا يقال له أيهما تريد.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: رأيت في منامي محمد بن
واسع و يوسف بن أسباط رحمهما اللّه واقفين على باب الجنة فنظرت أيهما يدخل أولا
فإذا هو يوسف بن أسباط فقلت لملك كان هناك لم دخل هذا قبل هذا، فقال: لأنه كان له
قميص واحد و كان لهذا قميصان اه.
و قد وقع مرة حريق بالبصرة فخرج الناس بما لهم من الأمتعة و خرج مالك
بن دينار رحمه اللّه و مصحفه معلق في عنقه و قال هكذا نخرج من قبورنا غدا، و كان
عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: من أكرم الغني و أهان الفقير فهو معلون
فإن حب الفقراء من أخلاق المرسلين و الفرار من صحبتهم من صفات المنافقين، و كان
إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى يقول: كان الفقراء في مجلس سفيان الثوري رحمه
اللّه تعالى كالأمراء، و قد جاء مرة رجل فقير فجلس بعيدا عنه فقال له تقرب يا أخي
لو كنت غنيا ما قربتك، و كان أبو حازم رحمه اللّه تعالى يقول: من خاف من الفقر لم
يرفع له عمل إلى السماء لأنه ما خاف الفقر إلا لتهمته لربه عز و جل و المتهم للّه
عدو اللّه.