أحرم و استوت به راحلته اصفر لونه و تغير و
انتفض و وقعت عليه الرعدة و لم يستطع أن يلبي من الهيبة فقالوا له: ألا تلبي،
فقال: أخشى أن أقول لبيك فيقال لي: لا لبيك و لا سعديك، فقيل له: لا بد من قولك
فلما لبى غشي عليه و سقط عن راحلته و لم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه، و لما قبل
الحجر الأسود قال: لو لا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبلك و كذا أصحابه
رضي اللّه عنهم ما قبلتك.
(قلت) و هذا يفهم أن عدم تقبيل أضرحة المشايخ أولى من تقبيلها لكون
النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يثبت عنه أنه قبل شيئا من قبور إخوانه الأنبياء
عليهم الصلاة و السلام و لا بلغنا أنه صلى اللّه عليه و سلم أقر أحدا على ذلك-
يعني على تقبيل قبر أحد من صالحي أمته- فلذلك كان من الأدب التوقف عن تقبيل أضرحة
المشايخ و أعتابهم و يجعل بدل ذلك الاقتداء بأخلاقهم، و لما أحرم أبو سليمان
الداراني رحمه اللّه تعالى بالحج لم يقدر أن يلبي حتى سار الركب ميلا و أخذته
كالغشية في المحمل ثم أفاق فقال لأحمد بن أبي الحواري رحمه اللّه تعالى و كان معه
يا أحمد إن اللّه عز و جل أوحى إلى موسى عليه الصلاة و السلام أن مر ظلمة بني
إسرائيل أن يقلوا من ذلك فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة حتى يسكت عن ذكري، ويحك
يا أحمد ما يؤمننا أن اللّه تعالى يلعننا و قد ظلمنا أنفسنا و ظلمنا غيرنا.
و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: رأيت شابا محرما ساكت
فقلت له: لما لا تلبي يا غلام، فقال لي: يا شيخ و ما تغني عني التلبية و قد سبق
مني ذنوب و جرائم و قبائح و فضائح لا تحصى فأخاف إذا أن لبيت أن يقال لي: لا لبيك
و لا سعديك لا أسمع كلامك و لا أنظر إليك، قال مالك فقلت له: يا ولدي إن اللّه
كريم غفور فقال: أو تشير علي بالتلبية، قلت: نعم فوقع جنبه على الأرض و قال لبيك
فشهق و خرجت روحه رحمه اللّه تعالى.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: حج سفيان الثوري رحمه
اللّه تعالى ماشيا من البصرة فقيل له: أما لك ظهر تركبه، فقال: أما يرضي العبد
الآبق أن يأتي إلى مصالحة سيده إلا راكبا، و اللّه إني لفي غاية الخجل من مجيئي
إلى تلك الأرض، و قد كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: رأيت شابا
مصفر اللون و هو متعلق بأستار الكعبة و هو يقول: اللهم إن لك عليّ حقوقا فتصدق علي
بها و إن لعبادك علي حقوقا فتحملها عني من فضلك، و قد تم فضلك عليّ.
و قد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: أدركنا الناس و
هم يحجون