و جل، و لو لا وجود الحجاب النسبي لما كان
الخليل عليه الصلاة و السلام إذا دخل في الصلاة يسمع لجوفه ضجيج من مسيرة ميل، و
إنما نقل عن الأكابر زيادة التعظيم للّه تعالى في الصلاة، لأنهم يقفون فيها بين
يدي الحق عز و جل كما يقف غلام الملك بين يديه و للّه المثل الأعلى اه.
و في الحديث [خمس صلوات كتبهن اللّه تعالى على العباد فمن جاء بهن لم
يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عهد عند اللّه أن يدخله الجنة]، و في الحديث
أيضا [أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن وجدت تامة قبلت منه سائر
أعماله، و إن وجدت ناقصة ردت عليه سائر عمله]، و في الحديث أيضا [من لم يتم ركوع
الصلاة و لا سجودها و لا خشوعها خرجت و هي سوداء مظلمة تقول لصاحبها ضيعك اللّه
كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء اللّه تعالى لفت كما يلف الثوب و ضرب بها وجهه]،
و كان سعيد التنوخي رحمه اللّه تعالى كلما صلى تصير دموعه تتناثر على خده و لحيته،
قال: و رأى الحسن البصري رحمه اللّه تعالى رجل يصلي و هو يعبث بلحيته فسمعه في
سجوده يقول: اللهم زوجني في الجنة من الحور العين ما تقر به عيني، فقال له الحسن:
يا هذا ما رأيت خاطبا للحور العين أقل حياء منك تخطب الحور من اللّه تعالى و أنت
تلعب.
و كان مسلم بن يسار إذا دخل في الصلاة لا يدري أي شيء يكون ممن
حوله، و كان رحمه اللّه تعالى يقول لأهله: لا ترفعوا أصواتكم عندي إلا إذا
رأيتموني دخلت في الصلاة، فإني إذا كنت فيها لا أسمع شيئا من كلامكم، و قد سقط
جانب المسجد و هو يصلي فوقعت ضجة عظيمة و خرج الناس مسرعين منه و هو لا يعلم بذلك
حتى سلم من الصلاة.
و كان أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه إذا حضرت الصلاة يصفر لونه و
يتغير و يقول: إنها أمانة و إنها عرضت على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن
يحملنها و حملتها أنا فلا أدري هل أوفي بآدابها أم لا، و كان وهب بن منبه رحمه
اللّه تعالى يقول: قال داود عليه الصلاة و السلام يا رب من الذي تقبل صلاته و
ينبغي له أن يدخل بيتك- يعني المسجد- فأوحى اللّه إليه من تواضع لعظمتي و قطع
نهاره بذكري و كف نفسه عن الشهوات من أجلي و أطعم الجائع و آوى الغريب و رحم المصاب،
فذلك الذي ينبغي له أن يدخل بيتي و أجيب دعاءه، و كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى
يقول: ما صليت صلاة قط إلا و رأيت ما أتيت به فيها من سوء الأدب أكثر مما فعلت
فيها من الطاعة.