القرآن ربيع القلب كما أن الغيث ربيع الأرض،
و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله
إذا الناس ناموا و بنهاره إذا الناس أفطروا و بحزنه إذا الناس ضحكوا و بصمته إذا
الناس لغو و بخشوعه إذا الناس يختالون- يعني في ثيابهم و مشيهم-.
و قد كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: لا ينبغي لحامل القرآن
أن يكون جافيا و لا مماريا و لا رافعا صوته بالحديث و العلم و لا راغبا في الدنيا،
لأن كل كلمة مما هو حامله تقول له ازهد في الدنيا، و قد سمعت سيدي عليا الخواص
رحمه اللّه تعالى يقول:
قرأت القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المنام فلما
ختمته قال لي صلى اللّه عليه و سلم: هذا القرآن فأين البكاء.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: ما ثم مصيبة أعظم من
مصيبتنا يتلو أحدنا القرآن ليلا و نهارا و لا يعمل به و كله رسائل من ربنا إلينا،
و كان ولده علي رحمهما اللّه تعالى يقول: من لم يبك على نفسه عند تلاوة القرآن فهو
مغرور، لأن المراد منه العمل لا التلاوة، و كان إذا قرأ القرآن يبكي حتى يكاد لا
يقدر على إتمام السورة و يقول: إني لأتعجب ممن يفرح كلما ختم القرآن تلاوة و لا
يطالب نفسه بشيء من مواعظه و زواجره و قوارعه.
و قد كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: ربما إني أقوم
خمس ليال متوالية بآية واحدة أرددها و أطالب نفسي بالعمل بما فيها، و لو لا أن
اللّه تعالى يمن عليّ بالغفلة لما تعديت تلك الآية طول عمري لأن لي في كل تدبر
علما جديدا و القرآن لا تنقضي عجائبه.
و قد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: لو لا أن اللّه
تعالى يعطي لكل من الأولياء معاني القرآن هبة منه تبارك و تعالى حال تلاوتهم له
لما قدر أحد منهم على تلاوته كله في ليلة واحدة، إذ الكمل ليست علومهم المتعلقة
بالقرآن مستنبطة بكفر و لا إمعان نظر و إنما هي مواهب يهبها اللّه لهم حال تلاوتهم
فتكون عين التلاوة هي عين المعاني، و متى تخلفت المعاني عن النطق فذلك من نتيجة
الفكر، قال رحمه اللّه: و عليه يحمل قول الحق عز و جل للإمام أحمد بن حنبل رضي
اللّه عنه حين رآه في المنام و قال له: يا رب بم يتقرب إليك المتقربون، قال:
بكلامي يا أحمد، قال: يا رب بفهم أم بغير فهم، قال تعالى: بفهم و بغير فهم فالمراد
من قوله و بغير فهم أن معانيه تأتي إليهم من طريق الكشف لا بواسطة الفكر و هذا هو
اللائق بشرح هذا الكلام، و إن كان تالي القرآن له الثواب على كل حال اه.