السنة على صحة توبة العبد من القتل و من أخذ
المال بلا حق و من شرب الخمر و من سائر المعاصي.
و قد سئل مسروق رحمه اللّه تعالى هل لقاتل المؤمن من توبة، فقال: لا
أغلق بابا فتحه اللّه تعالى، و قد كان أبو الجوزاء رحمه اللّه تعالى يقول: إن
العبد ليذنب فلا يزال نادما حتى يدخل الجنة فيقول إبليس: ليتني لم أوقعه فيه، و
كان أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه يقول:
خياركم كل مذنب تواب ثم يتلو [إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ][1]، و كان الربيع بن خيثم رحمه اللّه تعالى يقول: لا يقل أحدكم أستغفر
اللّه تعالى و أتوب إليه فيكون ذلك ذنبا و كذبا إن لم يفعل، و لكن ليقل اللهم اغفر
لي و تب عليّ، فقيل له: إن قول العبد أستغفر اللّه قد ورد في السنة فقال ذلك في حق
الصادقين اه.
و كان ابن عباس رضي اللّه عنهما يقول: لم يبلغني في كتاب و لا سنة و
لا بلغ علمي أن اللّه تعالى قال الذنب لا أغفره، قلت: لعل مراده رضي اللّه عنه عدم
ورود هذا اللفظ بخصوصه، و إلا ففي القرآن [إِنَّ اللَّهَ
لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ][2] فيحمل كلامه رضي اللّه عنه على ذنوب أهل الإسلام كما حمل العلماء
قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً][3] على ذلك.
و قد كان ثابت البناني رحمه اللّه تعالى يقول: ما شرب داود عليه
الصلاة و السلام شرابا بعد الذنب إلا ممزوجا بدموع عينيه، و كان مالك بن دينار
رحمه اللّه تعالى يقول:
دخلت على جار لي و هو مريض و كان مسرفا على نفسه فقلت يا أخي عاهد
اللّه تعالى أن تتوب عسى أن يشفيك فبكى فسمعت قائلا من ناحية البيت يقول: إن كان
عهده كعهدك معنا فلا فائدة فيه فإنك عاهدتنا مرارا فوجدناك كاذبا، قال: فغشى عند
ذلك على مالك، و كان طلق بن حبيب رحمه اللّه تعالى يقول: إن حقوق اللّه تعالى أعظم
من أن يقوم بها العباد و إن نعمة اللّه تعالى أكثر من أن يحصوها، و كان ذو النون
المصري رحمه اللّه تعالى يقول: إن اللّه تعالى رزقنا فوق قدرتنا و كلفنا دون قوتنا
فلم نكتف بما رزقنا من القوت و لم نبذل قوتنا فيما كلفنا، و كان مجاهد رحمه اللّه
تعالى يقول: من لم يتب كل صباح و مساء فهو من الظالمين، و قد قيل للحسن البصري
رحمه اللّه تعالى ماذا تقول فيمن يتوب ثم ينقض ثم يتوب ثم ينقض و هكذا، قال: ما
أراه إلا مؤمنا فعل أخلاق المؤمن.