الورد رحمه اللّه تعالى يقول: خالطت الناس
خمسين سنة إلى يومي هذا فما وجدت أحدا منهم غفر لي زلة و لا أقال لي عثرة و لا
أمنته على نفسي إذا غضب مني.
و كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى يقول: اجعل الناس كالنار فلا تدنو
منهم إلا عند الحاجة، و إذا دنوت منهم فكن على حذر كما تحذر من النار إذا دنوت
منها، و كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه يقول: من خالط الناس فلا بد أن يخربوا عليه
قلبه، و كان جعفر بن حميد رحمه اللّه تعالى يقول: الحق إنه لا بد لك من الناس و لا
بد للناس منك فليكن كل منكما على حذر من الآخر.
و قد كان إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى في سفر فلما قدم منه
قالوا لسليمان الخواص رحمه اللّه ألا تلقى إبراهيم، فقال: أخاف إذا لقيته أن أتزين
له بكلام فأهلك، و قد كان الحسن بن صالح رحمه اللّه تعالى يقول: لا ينبغي لأحد أن
يعتزل للعبادة إلا بعد التفقة في دينه، فقد كان الإمام مالك رضي اللّه عنه يقول:
تفقه ثم اعتزل- يعني عن الناس-، و كان عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول:
خير جلوس الرجل في قعر بيته لا يرى و لا يرى، و كان سفيان رحمه اللّه تعالى يقول:
و اللّه لقد حلت العزلة عن الناس.
(قلت) يعني وجبت كما في حديث [فقد حلت له شفاعتي] أي وجبت، و كان
أبو سفيان يقول: اعتزلوا عن الناس جهدكم فإنهم سراق العقول، و كان أبو بكر الوراق
رحمه اللّه تعالى يقول: لا تطمع في الأنس باللّه أبدا و أنت تخالط الخلق و لا تطمع
في رضا اللّه تعالى و أنت تخالط الظلمة، و لا تطمع في حب اللّه لك و أنت تحب
الدنيا، و لا تطمع في لين قلبك و أنت تجفو على اليتيم.
و كان داود الطائي رحمه اللّه تعالى يقول: لا تصلح العزلة عن الناس
إلا لمن زهد في الدنيا أما الراغبون فيها فلا فائدة في عزلتهم فمن اعتزل الناس و
لم يجعل الحق تعالى مؤنسا و القرآن محدثا فقد أخطأ الطريق و لم تصح عزلته.
و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: اجعل جلوسك في مكان يكون
أخفى لشخصك و أخفض لصوتك، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: من لم يجالس
الحق تعالى و النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه رضي اللّه عنهم فقد خابت عزلته،
فقيل له كيف ذلك، قال: يدرس القرآن بتدبر و ينظر في أفعال رسول اللّه صلى اللّه
عليه و سلم و أقواله و أفعال أصحابه رضي اللّه عنهم و أقوالهم، فمن فعل ذلك فقد
حادث اللّه تعالى و حادث النبي صلى اللّه عليه و سلم و حادث أصحابه رضي اللّه
تعالى عنهم.