رحمه المحتاج، و قد كان محمد بن سيرين رحمه
اللّه تعالى لا يخرج صدقة فطره إلا مغربلة مطيبة، و كان إبراهيم النخعي رحمه اللّه
تعالى يقول: إذا كان مشهد العبد أن جميع ما يتصدق به إنما هو ملك للّه تعالى فلا
عليه و لا يضره إذا كان فيه عيب، و كان عروة بن الزبير رحمه اللّه تعالى يقول:
تخيروا للصدقة فإن اللّه طيب لا يقبل إلا طيبا.
(قلت) فلكل رجال مشهد و كان أبو هريرة رضي اللّه عنه يقول: يتزوج
أحدكم فلانة بنت فلان بالمال الكثيرة و لا يتزوج الحور العين بلقمة أو تمرة أو
خلقه هذا من العجب، و كان عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما يتصدق كثيرا بالسكر و
يقول: إني أحبه و قد قال اللّه تعالى [لَنْ تَنالُوا
الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ][1]، و
كان الإمام الليث بن سعد رضي اللّه عنه يقول: من أخذ مني صدقة أو هدية فحقه علي
أعظم من حقي عليه لأنه قبل مني قرباني إلى اللّه عز و جل، و كان معاذ النسفي رحمه
اللّه تعالى يقول: من لم ير نفسه أحوج إلى ثواب صدقته من الفقير إلى صدقته هو فهو
ممن أبطل صدقته بالمن، لأنه رأى نفسه على الفقير و عند ذلك يضرب بها وجهه.
و كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى يقول: من أعطى درهما من مائة درهم
و لم يكن هذا الدرهم أعظم و أحب إليه من بقية المائة المدخرة ردت صدقته عليه و ضرب
بها وجهه، و قد كانت عائشة رضي اللّه عنها تقول: لا تحقروا من الصدقة شيئا فإن
الحبة منها يوم القيامة توزن بجبال الأجر، و قد أعطت رضي اللّه عنها حبة عنب لفقير
فردها و كان استقلها في عينه فقالت له: أما تقرأ قوله تعالى:
[فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ][2]
فكم من هذه العنبة من مثقال ذرة، قال: فاستغفر الرجل اه.
فاعلم ذلك يا أخي و فتش نفسك في ترك تصدقها بما فضل عن حاجتها و لا
تعد نفسك من القوم إلا إن تبعتهم في أخلاقهم، و كان آخر من أدركته من أصحاب هذا
المقام سيدي الشيخ محمد الشناوي و الشيخ محمد المنير و الشيخ عبد الحليم بن مصلح و
الشيخ محمد بن داود و الشيخ محمد العدل و غيرهم رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين، و كل
هؤلاء كان ألف دينار عندهم كفلس فافهم ذلك، و الحمد للّه رب العالمين.