و كان أبو مسعود البدري رضي اللّه عنه لا
يجيب إلى وليمة إلا إن علم أن لا يكون هناك شيء نهى اللّه عنه، و قد كان أبو أيوب
الأنصاري رضي اللّه عنه إذا ذهب إلى وليمة و رأى في البيت سترا يرجع و يقول لا يستر
البيوت إلا الأكاسرة و الجبابرة، و نحن لا نأكل لهؤلاء طعاما، و قد دعي حذيفة رضي
اللّه عنه إلى وليمة فرأى هناك شيئا من زي العجم فرجع مسرعا و قال من تشبه بقوم
فهو منهم و من رضى بفعل قوم فهو شريكهم.
و كان محمد بن سلام السكندري رحمه اللّه تعالى يقول: قد ذهبت السنة
في الولائم أن الجفان كانت تملأ طعاما و يغدى بها إلى المسجد فيأكل منها كل من كان
حاضرا من غني و فقير و شريف و وضيع، و كان صاحب الوليمة إذا خص الأغنياء بالدعوة
لا يأكل الناس له طعاما و يقولون إنه شر الطعام.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: إن الرجل ليكون له موقع
من قلبي، فإذا رأيته وسع في الطعام سقط من عيني لقلة ورعه، و قد قال لقمان 7 لابنه: يا بني إياك و حضور الولائم فإنها تذكرك بالدنيا و شهواتها ا ه، و
كان أيوب السختياني رحمه اللّه تعالى يقول: لا يكمل الرجل حتى يكون فيه خصلتان التعفف
عما في أيدي الناس و تحمل الأذى منهم، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى إذا
دعي إلى وليمة و رأى هناك أحدا من ولاة الجور رجع مسرعا و قال: إنا لا نجالس
الجبابرة، و كان ميمون بن مهران رحمه اللّه تعالى يقول: مؤاكلة المحب تهضم الطعام
و مؤاكلة العدو تتخمه.
و كان شقيق بن إبراهيم رحمه اللّه تعالى يقول: لم يبق في هذا الزمان
وليمة على وفق السنة و لقد ندمت على إجابتي الولائم، و كان الثوري رحمه اللّه
تعالى يقول لأصحابه:
عليكم بعدم حضور الولائم ما أمكن إلا إن كانت سالمة من البدعة فإنه
ما أكل رجل قط من قصعة رجل إلا ذل له، و قد كان أمير المؤمنين عمر و عثمان رضي
اللّه تعالى عنهما لا يجيبان إلى حضور الولائم و يقولان: نخاف أن يكون الطعام
مباهاة و تفاخرا.
و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول: نهينا أن نجيب إلى
طعام من أظهر لنا أمارات الرياء و السمعة في طعامه أو كان في بيته ستور كستور
الكعبة، و كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى يقول: إن مذمة الناس للشخص في هذا
الزمان مدحة له، لأنهم لا يذمونه إلا بما لا تهواه نفوسهم، و كان موسى بن طلحة رضي
اللّه عنهما يقول: أرسل إلى عبد الملك بن مروان بثلاث بدر فضة و أرسل يقول فرقها
على الفقراء فأجبته إلى ذلك ثم أرسلت منها شيئا إلى أبي رزين العقيلي و كان مجهودا
رحمه اللّه تعالى فكأني ألقيت عليه العقارب فردها و بات طاويا.