أبا الضيفان لكونه كان يذهب الميلين إلى
الضيف ليأتي به إلى منزله، و قد كانت عائشة رضي اللّه عنها تقول ليس من السرف
التبسط للضيف في الطعام، و قد كان مجاهد رحمه اللّه تعالى يقول في قوله تعالى: [ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ][1]، إنما
كانوا مكرمين لأن الخليل عليه الصلاة و السلام خدمهم بنفسه، و كان عبد الواحد بن
أبي ليلى رحمه اللّه تعالى لا يدخل عليه أحد إلا أطعمه و سقاه ثم اعتذر إليه أي
اعترافا بأنه مقصر في حقه.
(قلت) و ممن أدركناه على هذا القدم سيدي الشيخ محمد بن عنان و الشيخ
أبو الحسن الغمري، و الشيخ عبد الحليم بن مصلح و الشيخ محمد الشناوي و الشيخ أبو
بكر الحديدي و جماعة رضي اللّه عنهم أجمعين و كانوا لا يتكلفون للضيف خوفا أن
يضجروا منه إذا أتاهم مرة أخرى و يقولون: من كان يطعم ضيفه ما يجد فلا يبالي به أي
وقت جاء.
و قد سئل عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى عن مناولة الضيوف
الطعام لغيرهم فقال: إن كان لبعضهم فلا بأس و أما للأجنبي فلا، و كان بكر بن عبد
اللّه المزني رحمه اللّه تعالى يقول: من دعي إلى طعام فذهب معه بآخر استحق لطمة،
فإن قيل له اجلس ههنا، فقال: بل ههنا استحق لطمتين، فإن قال لصاحب الدار ألا تأكل
معنا استحق ثلاث لطمات، أي لأن ما فعله في الثلاث خصال فضول منه اه.
و كان محمد بن سيرين رحمه اللّه تعالى يجتهد أن يطعم الضيف من شيء
لم يكن عند ذلك الضيف و لا في بلده، قال خالد بن دينار رحمه اللّه دخلت على محمد
بن سيرين رحمه اللّه تعالى و معي رفقة فأخرج إلينا شهدا و قال أظن أن مثل هذا ليس
عندكم، قلنا نعم، و كان ميمون بن مهران رحمه اللّه تعالى يقول: من أطعم و لم يتمر-
أي لم يطعم الضيف تمرا أو شيئا حلوا- كان كمن صلى العشاء و لم يوتر، و اعلم أن
الواجب على المضيف أن يطعم الضيف من الحلال و أن يعمله بمواقيت الصلاة و لا يقصر
عما قدر عليه من الدسم و حسن المطعم، و أن الواجب على الضيف أن يجلس حيث أجلسوه و
أن يرضى بما إليه قدموه و أن لا يخرج حتى يستأذن. و كان أوس بن خارجة يقول: ما
دعوت قط نفرا إلى طعامي و أكلوه إلا و رأيت الفضل و المنة لهم على أكثر من منتي
عليهم، و كان حامد اللفاف رحمه اللّه تعالى يقول: من علامة المتفعل في الزهد أنه
إذا استضافه أحد يذكر له سخاء إبراهيم عليه الصلاة و السلام، و إذا أضاف هو أحدا
يذكر له زهد عيسى عليه الصلاة و السلام.