فاعلم ذلك يا أخي و إياك أن تتظاهر بالمشيخة و أنت على خلاف أخلاق
القوم في الكرم و السخاء و الجود و المواساة، فقد كانوا يعطون المال الجزيل و لا
يرون لهم فضلا على أحد، و كان أحدهم يشق إزاره نصفين و يعطي أخاه نصفه.
و قد سئل عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما ما حق المسلم على المسلم،
قال: أن لا يشبع و يترك أخاه جائعا و لا يلبس و يترك أخاه عاريا و لا يبخل عليه
بالبيضاء و الصفراء، و كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه يقول: كيف يبخل أحدكم
بديناره و درهمه على أخيه، و إذا مات بكى عليه أشد البكاء و قد كان الصحابة رضي
اللّه عنهم يهدي بعضهم الهدية إلى أخيه فيهديها الآخر إلى أخيه فلا تزال تلك
الهدية تدور بينهم حتى ترجع إلى مهديها الأول ا ه، مع أن كلا منهم محتاج إليه و
لكن كانوا يؤثرون على أنفسهم.
و كان أحدهم إذا تزوج و هو فقير يعطون عنه المهر و يعطونه قوت سنة
إدخالا للسرور عليه و دفعا لما لعله يقع فيه من الاهتمام بأمر المعيشة كما هو
الغالب على من يتزوج، و كان الحسن بن علي رضي اللّه عنهما لا يرد سائلا قط، و سأله
مرة شخص فأمر له بعشرة آلاف دينار، فقال له الرجل: إني لا أجد ما أحملهما فيه
فأعطاه طيلسانه.
و كان بكر بن عبد اللّه المزني رحمه اللّه تعالى يقول: أحب أموالي
إلي ما وصلت به إخواني و أبغضها إلي ما خلفته و رائي، و قد كانوا إذا أقبل عليهم
السائل يفرحون به و يقولون مرحبا بمن جاء يحمل أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة و يقل
عنا ما يشغلنا عن عبادة ربنا سبحانه، و كان يرسل أحدهم إلى أخيه الأف دينار و يقول
له فرقها على المحتاجين و لا تنسبها إليّ، و قد كان الضحاك رحمه اللّه تعالى يقول
في قوله تعالى: [إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ][1]
قال كان إحسان يوسف عليه الصلاة و السلام أن كل من مرض في السجن قام عليه و كل من
احتاج وسع عليه، و كان عليه الصلاة و السلام إذا لم يجد عنده شيئا للفقير يدور على
الأبواب يسأل له الناس.
و قد كان السلف إذا مات لأحدهم خادم يرسلون له خادما خلافه، و كان
يقبل ذلك