عدم تصديقه بما وعده اللّه به من الأجر، و
تضعيف الثواب فلا ينفعه عمل و لو صار أمثال الجبال لأنه بناء على غير أساس، إذ من
كمال المؤمن الكامل أن لا يتخلف عن مأمور و تأمل يا أخي لو جلس إنسان و بين يديه
زنبيل ملآن ذهبا و قال كل من أعطى فقيرا درهما أعطيته دينارا كيف يبادر الناس و
يسارعون إلى بذل الدراهم للفقراء بخلاف ما لو وعدهم بالدينار بعد سنة مثلا فإنه لا
يجيبه إلا القليل منهم، و ذلك لضعف تصديقهم له، و لو أن إيمانهم كان كاملا لأجابوه
كلهم، إذ من شرط كامل الإيمان أن يكون ما وعد به الشارع غيبا كالحاضر عنده على حد
سواء، و من هنا تقدم من تقدم و تأخر من تأخر ا ه، و اللّه أعلم.
و قد سئل عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه عن العاقل من هو؟ فقال:
من يكنز ماله في مكان لا يأكله السوس و لا تصل إليه اللصوص- يعني في السماء-، و قد
كان كسرى يقول أنت للمال ما أمسكته فإذا أنفقته كان لك.
و قال: دخل شخص البصرة فقال من سيد هذا المصر، فقيل له الحسن بن أبي
الحسن البصري، و قال: و بم سادهم؟ قالوا: لأنه استغنى عما بأيديهم من الدنيا و
احتاجوا لما عنده من العلم و الدين، فقال الرجل: بخ بخ هذا سيدهم بلا شك، و قد
أوحى اللّه إلى موسى عليه الصلاة و السلام إني لأشكو إليك من عبادي من أربعة أشياء
استقرضتهم مما أعطيتهم فبخلوا و حذرتهم من إبليس فلم يحذروا و دعوتهم إلى الجنة
فلم يجيبوا و خوفتهم من النار فلم يخافوا و اجتهدوا في أعمالهم.
و قد جاءت امرأة يوما إلى الإمام الليث بن سعد رضي اللّه عنه بإناء
صغير تطلب منه فيه عسلا و قالت: إن زوجي مريض، قال: فأمر لها الإمام براوية ملآنة
عسلا فقيل له: إنها طلبت قدحا صغيرا، فقال: إنما طلبت على قدرها و نحن أعطيناها
على قدرنا، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: عجبا لك يا ابن آدم تنفق في
شهواتك إسرافا و بدارا و تبخل في مرضاة ربك بدرهم ستعلم يا لكع مقامك عنده غدا، و
كان يقول أعطوا الشعراء و ذوي اللسان فإن من لم يبال بالشكاية فيه فقد نادى على
نفسه بالدناءة و قلة المروءة، و كان يقول: إياك أن تطلب حاجة من بخيل فإن من طلب
منه حاجة فهو كمن يطلب صيد السمك من البراري و القفار، و كان أبو القاسم الجنيد
رحمه اللّه تعالى لا يمنع قط أحدا سأله شيئا و يقول أتخلق بأخلاق رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم.