و قد كان شيخنا سيدي علي الخواص رحمه اللّه
تعالى يقول: إن أحق ما يتسم هؤلاء الموسوسون أن يقال لهم مبتدعة لا فقهاء، و ذلك
لأن أحدهم ربما يتوهم بطلان عبادة الصحابة و التابعين و الأئمة المجتهدين و أنت لو
قلت لأحد منهم توضأ كما بلغك من وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو وضوء
أصحابه رضي اللّه عنهم ربما أنه لا يرضى بذلك و لا يعتقد صحته، نسأل اللّه العافية
و هذا هو الضلال المبين، و قد بسطنا الكلام على ذلك في الباب الخامس عشر من كتابنا
المنن الكبرى فراجعه إن أردت ذلك، و الحمد للّه رب العالمين.
كتمان الأسرار
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كتمانهم الأسرار و عدم تبليغهم أحدا ما يسمعونه في حقه، و قد قالوا قلوب الأحرار
قبول الأسرار و إن لم يكن أهل اللّه تعالى يكتمون الأسرار فمن بقى يكتمها و هذا
الخلق قد صار غريبا في هذا الزمان، فربما يسمع الشيخ الكلمة الآن فيحكيها لغالب من
يدخل عليه و ربما كان فيها خراب الديار و تراه يقول قد أخبرنا بذلك شخص من أولياء
اللّه تعالى لا يصح في حقه تهمة و يسميه وليا من أولياء اللّه و الحال أنه معدود
من الفاسقين بنقل النميمة و إفساده بين الناس، و إن لم يقصد هو ذلك و في الحديث
[لا يدخل الجنة قتات] يعني نماما، و قد كان مجاهد رحمه اللّه تعالى يقول في قوله
تعالى: [وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ][1]،
قال: كانت تمشي بالنميمة بين الناس، و كان أكثم الصيفي رحمه اللّه تعالى يقول: من
علامة النمام الذل بين الناس فلا تكاد تراه عزيزا أبدا، و كان يحيى بن أبي كثير
رحمه اللّه تعالى يقول: النمام شر من الساحر و لا يشر به أحد فإنه قد يعمل في ساعة
ما لا يعمله الساحر في شهر فإن النميمة سفكت الدماء و نهبت الأموال و هاجت الفتن
العظام و أخرجت الناس من أوطانهم و غير ذلك من المفاسد.
و كان أبو موسى الأشعري رضي اللّه عنه يقول: لا يسعى بين الناس
بالفساد إلا ولد بغي لأنه يهلك نفسه و يهلك أخاه و يهلك الذي أنهى إليه الكلام، و
كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: من نقل إليك نقل عنك و من مدحك بما ليس
فيك فلا تأمن أن يذمك بما ليس فيك، و كان ابن السماك رحمه اللّه تعالى يقول: احذر
ممن يكتم أكثر ممن يحدث بما يسمع فإن من يكتم يصدق الناس قوله أكثر لاستبعادهم
الكذب عليه و ربما تكلم الشخص بكلمة لمن يأتمنه فتكلم بها فأخرب الديار.