و كان أخي الشيخ أفضل الدين رحمه اللّه
تعالى إذا سئل عن مقام أحد من العلماء يقول سلوا غيري عن ذلك فإني ألحظ الناس بعين
الكمال و الصلاح و ليس عندي كشف أعلم به مقامهم عند اللّه تعالى و الظن أكذب
الحديث، و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه إذا مر على قوم يغتابون أحدا
يقول: قوموا فتوضئوا فإن بعض ما تتكلمون به ربما كان أشد من الحدث، و قد كان أبو
تراب النخشبي رحمه اللّه تعالى يقول: الغيبة فاكهة القراء و مزابل الأتقياء، و كان
ميمون بن يسار رحمه اللّه يقول: اغتيب برجل مرة في مجلسي و أنا ساكت فقدم إلي في
تلك الليلة جيفة منتنة و قيل لي: كل هذا، فقلت: معاذ للّه كيف ذلك؟ فقيل:
هذا بما اغتيب عندك و أنت ساكت.
و قد كان خالد الربعي رحمه اللّه تعالى يقول: تناول الناس رجلا يوما
في المسجد فأعنتهم عليه، فلما نمت تلك الليلة قدم إلى قطعة لحم خنزير و قيل لي كل،
فقلت: معاذ للّه أن آكله فأدخلوها في فمي كرها عليّ فاستيقظت و أنا أجد طعم ذلك في
فمي و مكثت رائحته في فمي أربعين صباحا و الناس تشمه مني، و كان الفضيل بن عياض
رحمه اللّه تعالى يقول: مثال من يغتاب الناس مثال من ينصب منجنيقا لحسناته و يصير
يرميها شرقا و غربا في كل جهة اه.
كان عطاء الخراساني رحمه اللّه تعالى يقول: لا تتكدروا ممن اغتابكم
فإنه أحسن إليكم من حيث لا يشعر، و قد بلغنا أن من اغتيب غيبة واحدة غفر له نصف
ذنوبه، و كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول: لا يكمل صلاح الرجل عند اللّه
تعالى حتى يكون علكا في أفواه الناس، و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى
يقول: من قال إن في القوم جفاء فليس ذلك غيبة إنما الغيبة أن يقول هم جفاة أي لأنه
عين من اغتابه، و كان يونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى يقول: عرض على نفسي مرة الصوم
في يوم حر شديد أو ترك ذكر الناس، فكان الصوم أهون عليها من ذلك، و كان عبد اللّه
بن المبارك رحمه اللّه تعالى يقول: لا تذكروا أهل الأهواء و البدع بسوء إلا لمن
يبلغ لهم ذلك لعلهم ينزجرون و إلا لا فائدة لذكرهم عند من لم يبلغهم.
(قلت) قد يقصد القائل بذلك تقبيح تلك الصفات في عيون الحاضرين و تلك
فائدة بلا شك، و كان يقول في حديث لا غيبة في فاسق أي لا تغتابوا الفسقة و كفوا عن
غيبتهم، و كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى يقول: ثلاث خصال إذا كن في مجلس فإن
الرحمة مصروفة عن أهله، ذكر الدنيا و كثرة الضحك و الوقيعة في الناس.