و قد قيل ليحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى
متى يذهب من العبد العلم و الحلم و الحكمة، فقال: إذا طلب الدنيا بشيء من هؤلاء
الثلاث، و كان رحمه اللّه تعالى يقول: إذا ذمك أبناء الدنيا أو مدحوك فاصرف ذلك
إلى الخرافات لكونهم مطموسين البصائر، و اعلم أن تكسب الرجل و هو يحن إلى الزهد
خير له من الزهد و هو يحن إلى التكسب، و كان رحمه اللّه تعالى يقول: خلوة المريدين
غم الشياطين و رؤية الناس نشاط المرائين، و كان رحمه اللّه تعالى يقول: من ستر
عليك ذنوبك و لم يفضحك فهو أولى بك من سائر الخلق، فإنك تذنب ألف ذنب فيما بينك و
بين اللّه تعالى فيسترها عليك، و لو أن الخلق اطلعوا على عيب واحد فيك لفضحوك بين
العباد.
(و منها) قول أبي محمد الرذاماري رحمه اللّه تعالى إذا جمعت المال
فأنت وكيل، و إذا أعطيته فأنت رسول فالوكيل لا يخون و الرسول لا يمن. (قلت) عدم
خيانة الوكيل أن لا يمنع أحدا من بخل بل ينفق كما أمره اللّه و يمنع لحكمة كما منع
اللّه و عدم من الرسول أن يرى الفضل لمرسله و لا يرى له فضلا بما أعطى إلا على وجه
الشكر للّه تعالى و اللّه أعلم.
(و منها) قول أبو معاوية الأسود رحمه اللّه من طلب من اللّه الخير
الجزيل فلا ينم في الليل و لا يقيل، و قوله: من طلب الفضل من اللئام فلا يلومن إلا
نفسه إذا أهين.
(و منها) قول إمامنا الشافعي رضي اللّه عنه أظلم الظالمين لنفسه من
تواضع لمن لا يكرمه و رغب في مودة من لا ينفعه و قبل مدح من لا يعرفه، و قوله: من
نم لك نم عليك، و من نقل إليك نقل عنك و من إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك، كذلك
إذا أغضبته قال فيك ما ليس فيك، و قوله إذا تزوج الرجل فقد ركب البحر فإن ولد له
ولد فقد كسرت به المركب، و قوله: طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات فإن
أحدهم لم يزل تعبان في كل زمان، و قوله: إذا ولى أخوك ولاية فارض منه بعشر الود
الذي كان لك قبلها.
(و منها) قول أبي أمامة رحمه اللّه تعالى من آذى الناس بلا سلطان
فليصبر على الهوان، و قوله: من صبر على الإساءة فقد مهد للإحسان موضعا، و قوله: من
لم ينلك الخير في حياته فلا تبك عيناك على وفاته، و قوله: إذا رضى الراعي بفعل
الذئب لم ينبح الكلب على الغريب، و قوله: الاعتراف يهدم الاقتراف و لم تزل الأشراف
تبتلى بالأطراف.
(و منها) قول عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه اللهم وسع عليّ
الدنيا و زهدني فيها و لا تقترها عليّ و ترغبني فيها، و قوله: اللهم اجعلني اليوم
مشغولا بما أكون عنه غدا مسئولا، و قوله:
التواضع يرفع الخسيس و الكبر يضع النفيس و من طلب الرياسة أعيته و من
فر منها تبعته،