و قد كان عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه
تعالى إذا تناول ولده تفاحة من الفيء ينزعها من فيه بشدة و يقول أنتزعها خوفا من
اللّه تعالى و كأنني أنتزعها من قلبي، و قد بلغنا عن الإمام أبي حنيفة رضي اللّه
عنه أنه ذهب إلى غريم له ليطالبه بدين و كان للرجل شجرة على باب داره فوقف الإمام
في الشمس و طالبه، فقيل له ألا تقف في ظل الشجرة، فقال: لا إن لي على صاحبها دينا
و كل قرض جر نفعا فهو ربا كما ورد ذلك عن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و كان
المغيرة بن شعبة رحمه اللّه تعالى إذا اشترى شيئا من طوافي الأسواق يعدل به عن
الشارع و يشتري منه خوفا أن يحجز المشي عن المارة.
و قد استعار القاضي بكار بن قتيبة رحمه اللّه تعالى من والدته رداء
ليخبز فيه خبزه فكلمه شخص من أصحابه في الطريق فلم يقف له، فقال له ألا تكلمني؟
فقال: يا أخي إنما استعرت هذا الرداء لأخبز فيه لا لأقف مع أحد في الطريق، و لو
علمت أنك تكلمني لكنت استأذنتها في ذلك، و كان بكر بن عبد اللّه المزني رحمه اللّه
تعالى يجعل ميزاب سطحه إلى جهة داره دون الشارع خوفا أن يشوش على أحد، و قد ماتت
عنده هرة فحفر لها و دفنها في داره و لم يرمها في المزابل خوفا أن يشوش ريحها على
الناس، و قد كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: إياكم أن تسافروا إلى مكة
بشيء من الشبهات فإن رد دانق من حرام أو شبهة أفضل عند اللّه تعالى من خمسمائة
حجة فيها شبهة، و قد ترك يزيد بن دريج مال والده رحمهما اللّه لما مات و كان مالا
جزيلا و قال: كنت أشك في حل كسبه لكونه كان يبيع على الولاة.
و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى لا يأكل من كسب غلامه
إذا باع شيئا و صلى على النبي صلى اللّه عليه و سلم عند بيعه، فكان يقول إنك أطريت
عليه بالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و مدحته بها حتى اشتراه الناس
فإياك أن تفعل ذلك أو تقول للمشتري هذا رخيص أو مليح مثلا بل بعه و أنت ساكت، و قد
دخل الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى السوق ليشتري لأولاده خبزا فرأى الخباز يسبح
اللّه و يهلله و يصلي على النبي صلى اللّه عليه و سلم عند بيعه الخبز فأبى الفضيل
أن يشتري منه و طوى هو و أولاده حتى لقي من الغد شخصا يبيع الخبز و هو ساكت فاشترى
منه فقيل له: إن هذا أمر سهل يا أبا علي فقال: إن سهلكم هذا أخاف أن يوردني النار.
و كان يونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى يبيع البرد و الأكسية فإذا كان
يوم غيم لا يبيع و لا يخرج بها إلى السوق فسئل عن ذلك فقال: إن المشتري ربما يراه
حسنا في الغيم و هو