القارئ رحمه اللّه تعالى سرق رداؤه من على
كتفه و هو في الصلاة فأخذه الناس من اللص و زجروه و طردوه ثم وضعوا الرداء على عنق
يعقوب كل ذلك و هو لا يشعر.
(قلت) و كذلك وقع في عصرنا لسيدي محمد بن عنان رحمه اللّه تعالى و هو
يصلي في جامع البحر أنهم سرقوا ردائه من على عنقه و أخذ من اللص و ضرب و طرد و
وقعت ضجة عظيمة كل ذلك و هو لا يشعر و هو آخر من أدركناهم من أهل الخشوع رضي اللّه
عنه، و كان سعيد التنوخي رحمه اللّه تعالى إذا وقف يصلي سالت دموعه كالمطر، و قد
دخل عود في عين رابعة العدوية رحمة اللّه عليها و هي تصلي فما شعرت به حتى سلمت من
الصلاة فقالت: انظروا هذه الخشونة التي في عيني فما نزعوا العود من عينيها إلا
بمشقة من شدة ما ارتشق.
و كان مجاهد رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركنا العلماء و أحدهم كان
إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن حتى لا يقدر يشد بصره إلى شيء أو يحدث نفسه بشيء
من أمور الدنيا و قد انهدم الجامع مرة و مسلم بن يسار رحمه اللّه يصلي فيه فخرج كل
من في المسجد إلى السوق و وقعت ضجة كبيرة و مسلم لم يشعر، و قد كان الذباب لم يزل
يأكل في عين خلف بن أيوب رحمه اللّه تعالى و هو يصلي فلا يطرده عن نفسه، فقيل له
يوما في ذلك، فقال:
بلغني أن الفساق يتصبرون تحت سياط الحاكم إذا ضربوا البقال فلان صبور
و يفتخرون بذلك و أنا قائم بين يدي رب العزة سبحانه فكيف أتحرك لذباب.
و كان سميط بن عجلان رحمه اللّه تعالى يقول: كيف يدعي أحدكم الحضور
مع اللّه تعالى في صلاته و هو يحس بقرصة البرغوث إذا قرصه و اللّه لقد طعن أحدهم
بالسنان و ما درى حتى ساخت نفسه من خروج الدم و وقع على الأرض، و قد كان أمير
المؤمنين علي رضي اللّه عنه إذا حضر وقت الصلاة يصير يتغير و يتلون و يرتعد، فإذا
قيل له في ذلك يقول: أما تعلمون أنه وقت أمانة عرضها اللّه تعالى على السموات و
الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و قد حملتها أنا فلا أدري هل أحسنت ما حملت أم
لا.
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: لا تصلوا خلف محب الدنيا،
و قد كان السلف إذا بلغهم أن أحدا تلفت في صلاته يذهبون إليه و لو في داره و
يسألونه عن سبب ذلك لما كان عندهم رضي اللّه عنهم من معرفة عظمة اللّه تعالى، و قد
صلى عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى خلف إمام مرة فسمعه يلحن فقال له: لو لا
فضل الجماعة ما صليت خلفك لم تقرأ