و لا الركوب و يمكث الأيام لا يقدر أحد أن
يكلمه من شدة خوفه، و قد كان أهل الزمن الأول يستحبون خفض الصوت عند الجنازة و
يزجرون من يرفع صوته و يقولون له ما أنت إلا جبار أما في رؤيتك الموت موعظة.
(قلت) و إنما سكت العلماء عن رفع الصوت بالذكر و الصلاة على النبي
صلى اللّه عليه و سلم حتى علموا كثرة لغط الناس في الجنائز فرأوا أن ذكر اللّه
تعالى أولى من حديث الدنيا من باب ظلم دون ظلم و اللّه تعالى أعلم، و قد رأى عبد
اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه رجلا يضحك في جنازة فزجره ثم هجره أياما، قال: و رأى
الحسن البصري رحمه اللّه تعالى رجلا يأكل في المقبرة فزجره و قال له: إنك منافق، و
كان الأعمش رحمه اللّه تعالى يقول: كنا نحضر الجنائز فلا ندري من نعزي من شدة عموم
الحزن للقوم و بكائهم.
و قد كان حاتم الأصم رحمه اللّه تعالى يقول: مداواة القلب بحضور
الجنائز فريضة و كان إبراهيم الزيات رحمه اللّه تعالى إذا رأى أحدا يبكي في
الجنازة يقول له: ابك على نفسك يا أخي و ترحم عليها فإن هذا الميت قد نجا من ثلاث
رأى ملك الموت 7، و ذاق حرارة الموت، و أمن من سوء الخاتمة، بخلافك أنت
اه، و سيأتي زيادة على ذلك و الحمد للّه رب العالمين.
تنزيل الناس منازلهم
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
تنزيل الناس منازلهم في الإيمان و النفاق فللمنافق عندهم مقام دون مقام المؤمن
السالم من النفاق فإن قيل فبم تعرف المنافق، فالجواب أنه معروف بالعلامات التي
أخبر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نحو قوله: [علامة المنافق ثلاث إذا حدث
كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا ائتمن خان] و في رواية أربع فزاد إذا خاصم فجر، و نحو
قوله صلى اللّه عليه و سلم: [إن للمنافقين علامات فادعوهم بها لا يأتون المساجد
إلا هجرا و لا يشهدون الصلاة إلا دبرا و لا يألفون و لا يؤلفون مستكبرين جيفة
بالليل بطالون بالنهار] و نحو ذلك من الأحاديث الواردة اه.
و كان الأوزاعي رحمه اللّه تعالى يقول: علامة المنافق أن يكون كثير
الكلام قليل العمل، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: من علامة المنافق
أن يحب المدح بما ليس فيه، و يكره الذم بما فيه، و يبغض من يبصره بعيوبه و يفرح
إذا سمع بعيب أحد من