مصر و سأل عني فاجتمع بي و قال: لم يكن لي
في مصر حاجة إلا الاجتماع بك امتثالا لأمره صلى اللّه عليه و سلم ثم قال لي على المسألة
ففسرتها له بحمد اللّه تعالى.
و قد كنت ذكرت في هذا الكتاب أن من أخلاق القوم رضي اللّه عنهم أنهم
يصلون الصلوات الخمس خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في قبره الشريف، و أنهم
يسمعون رده : حين يقولون في تشهدهم السلام عليك أيها النبي و رحمة
اللّه و بركاته، فتوقف في ذلك بعض أصحابنا من طلبة العلم و قالوا: ما من كرامة إلا
و هي موروثة من أحد ممن سبق و لم يصل إلينا أن أحدا من الصحابة رضي اللّه عنهم و
لا من التابعين أن رد 7 من النبي صلى اللّه عليه و سلم من القبر الشريف
بعد موته، فلما وقع ذلك التوقف و لم أر أحدا يطلب الوصول إلى هذا المقام بالمجاهدة
و الرياضة رفعت ذلك من الكتاب.
على أنه ما من عام إلا و يصح أن يخص منه أمر كما هو مقرر في علم
الأصول إلا ما استثنى شرعا، و قد نقل العلامة ابن زهرة في تفسيره أن من الكرامات
التي لم تورث و لم يقع مثلها لأحد قبل صاحبها آتيان آصف بن برخيا بعرش بلقيس، و
قال هذه كرامة لم تكن موروثة عن أحد قبله من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام و لا
غيرهم. و قد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: لا يحق لأحد قدم
الولاية المحمدية حتى يجتمع برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بالخضر و إلياس
8، قد درج الصادقون كلهم على ذلك فلا يقدح فيهم إنكار بعض المحجوبين
عنه، و قد كان سيدي الشيخ أبو العباس المرسي رحمه اللّه تعالى يقول لأصحابه: هل
فيكم أحد إذا سلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يسمع رده عليه بأذنه؟ فيقولون:
لا ليس فينا أحد يقع له ذلك، فيقول: ابكوا على قلوب محجوبة عن اللّه و رسوله صلى
اللّه عليه و سلم، ثم يقول و اللّه لو احتجبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
لحظة من ليل أو نهار لما عددت نفسي من المسلمين.
(قلت) و لكن بين الفقير و بين مقام الآخذ عن رسول اللّه صلى اللّه
عليه و سلم و سماع صوته بالرد على من سلم عليه مائة ألف مقام و سبعة و أربعون ألف
مقام و تسعمائة و تسعة و تسعون مقاما فمن ادعى ذلك طالبناه بهذه المقامات فإذا
رأيناه لا يعرفها كذبناه في دعواه ذلك.
و قد ادعى هذا المقام جماعة من أهل العصر في حياة سيدي علي المرصفي
رحمه اللّه تعالى فأمر بحضورهم إليّ عنده فلما رآهم قال لهم: مقصدي أسمع منكم
الكلام على بعض مقامات مما ذكرتم أن اللّه تعالى خصكم بها فلم يدر أحدهم ما يقول،
فزجرهم عند ذلك و أمر بإخراجهم من حضرته فماتوا على أسوأ حال و العياذ باللّه، فإياك
يا أخي أن تدعى شيئا من المقامات التي لم تصل إليها فتعاقب بحرمانها.