(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
إذا سألهم أحد في حاجة و هو في حارة شيخ من مشايخ عصرهم أن يردوا صاحب تلك الحاجة
إلى ذلك الشيخ الذي هو في حارته و يحسنوا اعتقاد صاحب تلك الحاجة فيه، و متى قضوا
لذلك المحتاج حاجته فقد أساءوا الأدب مع ذلك الشيخ، و قد كان ذلك دأب شيخنا سيدي
علي الخواص كان رحمه اللّه تعالى إذا جاءه أحد و سأله في حاجة يقول له: أنت من أي
حارة فإذا أخبره قال له: ارجع إلى شيخ حارتك فإن اللّه تعالى لم يجعله في حارتك
إلا ليتحمل هموم أهلها، فاعلم ذلك يا أخي و اعمل عليه و الحمد للّه رب العالمين.
انشراح الصدور
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
انشراح صدورهم إذا صرف اللّه تعالى عنهم الدنيا و ذلك لأنهم يحبون اللّه و رسوله و
من أحب اللّه تعالى و رسوله صلى اللّه عليه و سلم كره الدنيا ضرورة لأنها تشغل عن
كمال العبادة فلذلك كان من أكرم أخلاقهم انقياض قلوبهم من إقبال الدنيا عليهم و
تأمل يا أخي لما كان الصحابة رضي اللّه عنهم أكثر الناس محبة لرسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم كيف كان أكثرهم يبيت و يصبح و ليس عنده دينار و لا درهم و قد دعا
صلى اللّه عليه و سلم لأهل بيته رضي اللّه عنهم لشدة محبته لهم و محبتهم له فقال:
[اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا] و ذلك ليكون العبد مقبلا على اللّه تعالى لا يعوقه
عنه عائق لا سيما إن كان ليس عنده صبر على الجوع مثلا فإنه يصير مقبلا على اللّه
تعالى ليلا و نهارا يسأله قوته لا يفتر عن ذلك.
و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى يقول: الدنيا سجن
المؤمن و أعظم أعماله في السجن الصبر و كظم الغيظ، و ليس للمؤمن في الدنيا دولة و
إنما دولته غدا في الآخرة، و قد كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول: سيأتي
على الناس زمان يكون المؤمن فيه أذل من الأمة فيعيش كدود الخل في الخل، و كان عبد
اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: من حبس اللّه عنه الدنيا ثلاثة أيام و هو عنه
راض وجبت له الجنة، و كان عبد اللّه بن بكر المزني رحمه اللّه تعالى يقول: إن
اللّه عز و جل ليجرع عبده المؤمن و يذيقه مرارة الدنيا محبة فيه كما تجرع المرأة
ولدها الصبر لأجل العافية اه.