responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطريق الى الله تعالي من كلام الشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى المؤلف : غراب، محمود محمود    الجزء : 1  صفحة : 72

فصل في العزلة

العزلة سبب لصمت اللسان، فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه، فأداه ذلك إلى الصمت باللسان، و العزلة على قسمين: عزلة المريدين و هي بالأجسام عن مخالطة الأغيار، و عزلة المحققين و هي بالقلوب عن الأكوان، فليست قلوبهم محالا لشي‌ء سوى العلم باللّه تعالى، الذي هو شاهد الحق فيها، الحاصل من المشاهدة، و للمعتزلين نيات ثلاث: نية اتقاء شر الناس، و نية اتقاء شره المتعدي إلى الغير، و هو أرفع من الأول، فإن في الأول سوء الظن بالناس، و في الثاني سوء الظن بنفسه، و سوء الظن بنفسك أولى لأنك بنفسك أعرف، و نية إيثار صحبة المولى من جانب الملأ الأعلى، فأعلى الناس من اعتزل عن نفسه إيثارا لصحبة ربه، فمن آثر العزلة على المخالطة، فقد آثر ربه على غيره، و من آثر ربه لم يعرف أحد ما يعطيه اللّه تعالى من المواهب و الأسرار، فإنه لا تقع العزلة أبدا في القلب، إلا من وحشة تطرأ على القلب من المعتزل عنه، و أنس بالمعتزل إليه، و هو الذي يسوقه إلى العزلة، فكانت العزلة تغني عن شرط الصمت، فإن الصمت لازم لها، فهذا صمت اللسان.

و أما صمت القلب فلا تعطيه العزلة، فقد يتحدث الواحد في نفسه بغير اللّه تعالى مع غير اللّه، فلهذا جعلنا الصمت ركنا من الأركان في الطريق قائما بنفسه، فمن لازم العزلة وقف على أسرار الوحدانية الإلهية، هذا ينتج له من المعارف، و من الأسرار أسرار الأحدية التي هي الصفة، و حال العزلة التنزيه عن الأوصاف البشرية سالكا كان المعتزل أو محققا، و أرفع أحوال العزلة الخلوة، فإن الخلوة عزلة في العزلة، فنتيجتها أقوى من نتيجة العزلة العامة، فينبغي للمعتزل أن يكون صاحب يقين مع اللّه تعالى، حتى لا يكون له خاطر متعلق خارجا عن بيت عزلته، فإن حرم اليقين فليستعد لعزلته قوته زمان عزلته، حتى يتقوى يقينه بما يتجلى له في عزلته، لابد من ذلك، هذا شرط محكم من شروط العزلة، و العزلة تورث معرفة الدنيا.

فصل في الجوع‌

الجوع هو الركن الثالث من أركان هذا الطريق الإلهي، و هو يتضمن الركن الرابع الذي هو السهر، كالعزلة تتضمن الصمت، و الجوع جوعان: جوع اختيار و هو جوع‌

اسم الکتاب : الطريق الى الله تعالي من كلام الشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى المؤلف : غراب، محمود محمود    الجزء : 1  صفحة : 72
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست