اسم الکتاب : الرسالة القشيرية المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 81
فأخذه الأسر[1]
من ساعته. فكان يدور على المكاتب، و يقول: ادعوا لعمكم الكذاب.
و قيل: إنه أنشد هذه الأبيات، فقال بعض أصحابه لبعض: سمعت البارحة، و
كنت فى الرستاق صوت أستاذنا «سمنون» يدعو اللّه، و يتضرع إليه، و يسأله الشفاء.
فقال آخر: و أنا أيضا، كنت سمعت هذا البارحة، و كنت بالموضع الفلانى.
فقال ثالث، و رابع، مثل هذا، فأخبر سمنون، و كان قد امتحن بعلة
الأسر، و كان يصبر و لا يجزع، فلما سمعهم يقولون هذا؛ و لم يكن هو دعا؛ و لا نطق
بشئ من ذلك، علم أن المقصود منه إظهار الجزع تأدبا بالعبودية، و سترا لحاله، فأخذ
يطوف على المكاتب و يقول: ادعوا لعمكم الكذاب.
سمعت محمد بن الحسين، رحمه اللّه، يقول: سمعت أبا العباس محمد بن
الحسن البغدادى يقول: سمعت جعفرا الخلدى يقول: قال لى أبو أحمد المغازلى:
كان ببغداد رجل فرق على الفقراء أربعين ألف درهم، فقال لى سمنون:
يا أبا أحمد، ألا ترى ما قد أنفق هذا، و ما قد عمله؟ و نحن ما نجد
شيئا ..
فامض بنا إلى موضع نصلى فيه بكل درهم أنفقه ركعة.
فمضينا إلى المدائن، فصلينا أربعين ألف صلاة.
و كان سمنون ظريف الخلق، أكثر كلامه فى المحبة[2].
و كان كبير الشأن.
مات قبل الجنيد، كما قيل.
[1] - الأسر: احتباس البول، و يروى ابن عربى سبب ذلك
فيقول:« لما أساء سمنون الأدب مع اللّه و أراد أن يقاوم القدرة الإلهية لما وجد فى
نفسه من حكم الرضا و الصبر، ابتلى بالأسر الذى هو احتباس البول فكان يتلوى منه
كالحية على الرمل؛ إذ مقاومة القهر الالهى سوء أدب.
و لما تاب اللّه عليه؛ و شفاه،
أنشد:
سألتُ حبيبى
الوصلَ منه دُعابَةً
و أعْلَمُ
أنَّ الوصل ليس يكونُ
فمَاسَ دلالًا
و ابتهاجاً و قال لى
برفقٍ مجيباً(
ما سألتَ يَهُونُ)
[2] - و من كلامه فى ذلك: أول وصل العبد هجرانه لنفسه،
و أول هجران العبد الحق مواصلته لنفسه. و سئل عن المحبة فقال: صفاء الود مع دوام
الذكر، و عن التصوف، فقال: أن لا تملك شيئا و لا يملكك شئ .. و قيل له: إذا نذكر
اللّه و لا نحد فى قلوبنا حلاوة. فقال:« احمدوا اللّه على أن زين جارحة من جوارحكم
بذكره».
اسم الکتاب : الرسالة القشيرية المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 81