اسم الکتاب : الرسالة القشيرية المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 311
باب الاستقامة
قال اللّه تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا»[1].
أخبرنا: الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك، رحمه اللّه، قال:
حدثنا عبد اللّه بن جعفر بن أحمد الأصبهانى قال: أخبرنا أبو بشر يونس بن حبيب قال
حدثنا أبو داود الطيالسى قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن سالم بن أبى الجعد، عن
ثوبان مولى النبى صلى اللّه عليه و سلم، عن النبى صلى اللّه عليه و سلم، قال:
استقيموا و لن تحصوا[2]، و
اعلموا أن خير دينكم الصلاة، و لن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»[3].
و الاستقامة: درجة بها كمال الأمور و تمامها، و بوجودها حصول الخيرات
و نظامها، و من لم يكن مستقيما فى حالته ضاع سعيه و خاب جهده؛ قال اللّه تعالى:
«وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ
قُوَّةٍ أَنْكاثاً»[4][5].
و من لم يكن مستقيما فى صفته لم يرتق من مقامه إلى غيره، و لم يبن
سلوكه على صحة؛ فمن شرط المستأنف: الاستقامة فى أحكام البداية، كما أن من حق
العارف الاستقامة فى آداب النهاية.
فمن أمارات استقامة أهل البداية: أن لا تشوب معاملاتهم فترة[6].
و من أمارات استقامة أهل الوسائط: أن لا تصحب منازلهم وقفة[7].
و من أمارات استقامة أهل النهاية: أن لا تتداخل مواصلتهم حجبة[8].
سمعت: الأستاذ أبا على الدقاق، رحمه اللّه، يقول: الاستقامة لها
ثلاثة مدارج:
أولها: التقويم، ثم الإقامة، ثم الاستقامة؛ فالتقويم، من حيث تأديب
النفوس. و الإقامة: من حيث تهذيب القلوب، و الاستقامة: من حيث تقريب الأسرار.