اسم الکتاب : الرسالة القشيرية المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 306
باب الارادة
قال اللّه عز و جل: «وَ لا تَطْرُدِ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ»[1].
و أخبرنا: على بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا
هشام بن على قال: حدثنا الحكم بن أسلم قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن
أنس رضى اللّه عنه، أن النبى صلى اللّه عليه و سلم قال: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا
استعمله. فقيل له: كيف يستعمله يا رسول اللّه؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت»[2].
و الإرادة: بدء طريق السالكين، و هى اسم لأول منزلة القاصدين إلى
اللّه تعالى.
و إنما سميت هذه الصفة: إرادة؛ لأن الإرادة مقدمة كل أمر، فما لم يرد
العبد شيئا لم يفعله، فلما كان هذا أول الأمر لمن سلك طريق اللّه عز و جل سمى:
إرادة تشبيها بالقصد فى الأمور الذى هو مقدمتها.
و المريد، على موجب الاشتقاق: من له إرادة، كما أن العالم: من له
علم؛ لأنه من الأسماء المشتقة.
و لكن المريد فى عرف هذه الطائفة: من لا إرادة له، فمن لم يتجرد عن
إرادته لا يكون مريدا، كما أن من لا إرادة له، على موجب الاشتقاق، لا يكون مريدا.
و تكلم الناس فى معنى الإرادة؛ فكل عبر على حسب ما لاح لقلبه، فأكتر
المشايخ قالوا:
الإرادة: ترك ما عليه العادة و عادة الناس- فى الغالب- التعريج[3] فى أوطان الغفلة، و الركون إلى
اتباع الشهوة، و الإخلاد إلى ما دعت إليه المنية[4].
و المريد منسلخ عن هذه الجملة؛ فصار خروجه امارة و دلالة على صحة
[2] - حديث صحيح رواه أحمد فى مسنده و الترمذى و ابن
حبان و الحاكم عن أنس و تمامه( ... ثم يقبضه عليه( و روى نحوه عمرو بن الحمق أن
النبى صلى اللّه عليه و سلم قال« إذا أراد اللّه بعبد خيرا استعمله قيل و ما
استعمله؟ قال يفتح له عملا صالحا بين يدى موته حتى يرضى عنه من حوله) رواه أحمد فى
مسنده و الحاكم فى المستدرك.