نعم، جاءت فكرة
التحريف- قصدا إلى رفض حجّية الكتاب- من قبل هذه الفئة المتطرّفة التي نبعت على
حاشية البلاد في جوّ مظلم بغياهب الجهل و العامّية، مضافا إليه بعض السذاجة و سرعة
الاسترسال.
كان
من طابع هذه الفئة هي السذاجة في التفكير، الناجمة عن حياتها البدائية، بعيدة عن معالم
الحضارة العلمية التي كان عليها علماؤنا في مراكز العلم المعروفة.
و
هذا ممّا جعل من كتبهم لا تشبه شيئا من كتب أقطاب الشيعة الإمامية المليئة
بالتحقيق و التدقيق في اصول الشريعة و فروعها.
هذا
السيّد نعمة اللّه الجزائري- غفر اللّه له- (1050- 1112) علم هذه الفئة الشاخص[1]
و المبدع لفكرة التحريف على أساس جمع الشوارد من الأخبار، نراه يعتمد الغرائب و
الشواذّ في كتبه و يشحنها بأقاصيص اسطوريّة، لا سابقة لها في كتب علمائنا الأعلام!
بينما
الصدوق عليه الرحمة يقول في مقدّمة كتابه «من لا يحضره الفقيه»:
و
لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به و
أحكم بصحّته و أعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني و بين ربّي تقدّس ذكره و تعالت قدرته
و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل و إليها المرجع.
[1] - يحاول في رسالته« منبع الحياة» إثبات جواز تقليد
الأموات، ميزة أخبارية متطرّفة تشبه طريقة العامّة في نبذ طريقة الاجتهاد، و الأخذ
بتقليد الأموات، على خلاف طريقة المجتهدين من الخاصة بفتح باب الاجتهاد و لزوم
الرجوع إلى آراء الأحياء من الفقهاء.
و هو أوّل من طرح مسألة تحريف
الكتاب على منصّة البحث، مستدلّا عليه بدلائل على أساس شوارد الأخبار و غرائب
الآثار، هادفا وراء ذلك إلى عدم إمكان الاستفادة من ظواهر الكتاب.
و قد عارضني بعض أحفاده في نسبة
جدّهم إلى الفئة الأخبارية ... لكن ماذا يا ترى في هذا الإصرار على طبع الرسالة و
نشرها تباعا و مكرّرا في أهمّ مراكز النشر، بغداد و بيروت؟!
إنّ في ذلك سرّا يستهدفه من يريد
الإطاحة بشأن هذا الكتاب العزيز، و المسّ بحريم مقدّسات المسلمين و الشيعة بالذات.
فإن كان أحفاده يريدون الدفاع عن
كرامة جدّهم فعليهم الحؤول دون نشر أمثال هذه الرسائل الضالّة المضلّة و التي
تخالف طريق الشيعة في طول تاريخهم المجيد.