عواصف أحداث
الزمان. و أجدر به أن لا يقع عرضة لتلاعب أهل البدع و الأهواء، شأن كلّ سند وثيق
يبقى، ليكون حجّة ثابتة مع مرّ الأجيال.
و
هذا الضمان الإلهي هو أحد جوانب إعجاز هذا الكتاب، حيث بقاؤه سليما على أيدي الناس
و بين أظهرهم، و ليس في السماء في البيت المعمور في حقائب مخبوءة وراء الستور. ليس
هذا إعجازا إنّما الإعجاز هو حفظه و حراسته في معرض عام و على ملأ الأشهاد.
فمن
سفه القول ما عساه يقول أهل التحريف: «إنّه تعالى يحفظ القرآن في الموضع الذي
أنزله فيه، كما كان محفوظا في المحلّ الأعلى قبل نزوله. و القرآن إنّما نزل به
جبرئيل على قلب سيّد المرسلين ليكون من المنذرين، فمحلّه الذي أنزله تعالى فيه و
وعد حفظه، هو قلبه الشريف، لا الصحف و الدفاتر و لا غير صدره صلّى اللّه عليه و
اله من الضمائر ...».[1]
هذا
و قد ذكر أهل التفسير- بشأن نزول الآية-: أنّه صلّى اللّه عليه و اله إنّما كان
يخشى تلاعب أهل الأهواء بالقرآن من بعده، كما فعلوا بكتب الأنبياء السالفين. فنزلت
الآية تطمئنّه على حفظه و حراسته عن تناوش الأعداء خلودا مع الأبد[2]
و قرينة السياق أيضا شاهدة على هذا المعنى.
و
الخلاصة: إنّ هذه الآية ضمان للرسول و عهد من اللّه على أن يبقى هذا القرآن سليما
و محفوظا عن تناوش الأيدي، سلامة دائمة و بقاء مع بقاء الإسلام.
مضافا
إلى أنّ حكمة التكليف تقضي أيضا بهذا البقاء و السلامة الأبدية.
و
نظير هذه الطمأنة كثير في آيات اخرى (منها) قوله تعالى:
«فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ
الْمُسْتَهْزِئِينَ».[3]
كان
صلّى اللّه عليه و اله يخشى ممانعة أهل الكفر و مداخلتهم في الأمر، فيحولوا دون
تأثير دعوته