هي مخالفة
القرآن في مقام العمل، هذا فحسب، و ليس ذلك تحريفا، و إن كان مثل الزمخشري قد عدّ
ذلك من التحريف المعنوي. فلاحظ ما ذكره الزمخشري و الرازي و أمثالهما في قوله
تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ ...» و قوله: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ...» ...[1]
و
لا يخفى مواضع الضعف في كلامه، أوّلا: لم يكن من روايات التحريف ما يصلح حجة و
سندا لاعتبار، لأنّها في الأكثر مراسيل أو مقاطيع الإسناد، فضلا عن اختلاء الكتب
المعتمدة عنها، و إنّما توجد في كتب و رسائل لا قيمة لها و لا اعتبار، حسبما عرفت.
ثانيا:
لم يكن لفظ التحريف مستعملا في اللغة في غير التحريف المعنوي، و كذا في استعمالات
القرآن على ما عرفت. و إنّما هو مصطلح متأخّر لا يحمل عليه الاستعمال الوارد في
كلمات الأقدمين. و القرائن التي ذكرها اصطناعية هي أشبه بالمصادرة نحو المطلوب،
كما أسبقنا القول في مسألة تشابه الحاضر و الغابر. و أمّا التعبير بالسقط و المحو
و ما شابه من تعابير فسنذكر وجه التوفيق فيها حسبما ذكره أئمّة النقد و التمحيص.
ثالثا:
و هل كانت المخالفات العملية الكثيرة ذلك العهد إلّا مسبقة بتأويل مداليل القرآن و
تحوير أوجه معانيه الكريمة؟! و هل قام القاسطون و الناكثون و المارقون في وجه عليّ
عليه السّلام إلّا بسلاح تأويل القرآن و تفسيره حسب ما كانوا يشتهون؟! فكيف يا ترى
أنّهم لم يمسّوا معاني القرآن بسوء؟!
***
النوع الرابع: روايات زعموا دلالتها على سقط آية أو جملة أو كلمة،
و
قد عالجها أئمّة نقد الحديث بأنّها كانت من زيادات تفسيرية و شروح و ما إلى ذلك،
لا من لفظ النص، لكن تعلّق بها أهل القول بالتحريف عبثا، نذكر منها نماذج:
1-
روى الكليني مرسلا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي الكوفي (ت 221) هو من آل
مهران، و كانوا يقولون بالوقف،[2] و كان على
رأيهم. ثم استبصر على يد الإمام
[2] - الواقفة: جماعة من الشيعة وقفوا على الإمام أبي
الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام، و لم يعترفوا بإمامة الإمام الرضا عليه السّلام
من بعده. فلا يعدّون من الإمامية القائلين بإمامة الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ
عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله واحدا بعد واحد.