أمّا
اصول الحياة و متطلّباتها فإنّها لا تختلف، ما دامت تقتضيها طبيعة الإنسان الذاتية
الاجتماعية وفق فطرته الاولى التي لا تختلف على مرّ الدهور و لا تتفاوت.
الإنسان-
بوجوده الفطري- يملك ذاتيات هي حليفته مذ نشأ في عالم الوجود، و تستمرّ معه ما
دامت مسيرته تشقّ عباب الحياة على وجه الأرض. إنّها صفات و غرائز نابعة من ذاته و
ناشئة من فطرته، و ستدوم معه ما دامت الذات و الفطرة ترافقانه في ركب الحياة.
الإنسان
يملك غريزة «حبّ الذات» و هي تدعوه دوما إلى استجلاب ما ينفع ذاته و يلائم فطرته،
و إلى رفض كلّ ما يضرّه و يتنافر مع طبعه. و هذا ما يقال: الإنسان مجبول على جلب
المنفعة و دفع المضرّة، و منشأه حبّ الذات. فهو مندفع بذاته نحو مشتهيات نفسه،
هارب عن منافياتها.
لكن
بما أنّه اجتماعي الحياة، فإنّ هذا الاندفاع الذاتي في كلّ إنسان سوف يؤدّي إلى
تجاذب و تمانع، و أخيرا تصادم و تنازع، عند ما تصطدم المنافع و تتشابك المصالح
فردية و اجتماعية، الأمر الذي عبّر عنه أصحاب الفلسفة بمسألة «التنازع في البقاء»
كلّ يجرّ النار إلى قرصه.
هذا،
و قد بعث اللّه الأنبياء عليهم السّلام و أنزل الشرائع ليجعل لتصرّفات الإنسان
حدودها المعقولة و يرشده إلى معالم الحياة السعيدة، كلّ يتمتّع بما يبتغيه، على
شريطة أن لا يحول دون تمتع الآخرين «إِخْواناً عَلى سُرُرٍ
مُتَقابِلِينَ».[1]
و
لكن «وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»[3]
لأنّه إذا تعدّى أحد فلا يتوقّع أن لا يتعدّى غيره عليه، فتنقلب الحياة سعيرا
متوهّجة، و تسودها همجية من ورائها فوضى