اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ و بعد فلعلّ أسبق العلوم ظهورا مع
نزول القرآن، هو علم التفسير، الكافل لحلّ معضله و بيان ما أبهم منه أو أجمل، و قد
مسّت الحاجة إلى ذلك بعد أن كان القرآن هو المرجع الأعلى للتشريع و تنظيم معالم
الحياة، و كان التفسير إذ ذاك مقتصرا على مراجعة الأكفاء: النبيّ الكريم و كبار
الصحابة و التابعين و العترة الطاهرة، و من ثمّ كان المعتمد في التفسير هو النقل
المأثور عن مستند وثيق.
كان
ابن عبّاس (فارس القرآن و ترجمانه) يراجع سائر الأصحاب ممّن يحتمل عنده شيء من
التفسير و الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأتي أبواب
الأنصار و المهاجرين ممّن عنده علم من الرسول، فإذا وجد أحدهم راقدا- عند القائظة-
كان ينتظره حتّى يستيقظ، و ربّما تسفى على وجهه الريح، و بذلك كان يستعيض عمّا
فاته من العلم أيّام حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لصغره، فيستطرق
أبواب العلماء من صحابته الكبار، و كان مع ذلك من أنبه تلاميذ الإمام أمير
المؤمنين عليه السّلام و أنبلهم، يأخذ منه العلم ليل نهار. قال: «كلّ ما أخذت في
التفسير فهو عن عليّ عليه السّلام».
و
كان مجاهد بن جبر من أوثق أصحاب ابن عبّاس، و قد عرض عليه القرآن ثلاث مرّات يوقفه
عند كلّ آية، يسأله فيها ما شاء. قال ابن أبي مليكة: رأيت مجاهدا يسأل ابن عبّاس
عن تفسير القرآن و معه ألواحه، فيقول له ابن عبّاس: اكتب، حتّى سأله عن التفسير
كلّه.
إذن
كان الأصل في التفسير هو النقل المأثور عن مصدر متين.
و
حتّى بعد أن ظهر التفسير الاجتهادي في الوجود، كان التفسير الأثري من أوثق أركانه
و أعظم منابعه في الاستخراج و التحقيق، هذا مجاهد- هو أوّل من أعمل النظر في
التفسير- كان