نعم لا بدّ
أن نلحظ مقارنات الآية و ملابساتها حسب التنزيل، فما كان له دخل في صلب رسالتها
أبقيناه و ما لا دخل له أعفيناه و ذلك على طريقة السبر و التقسيم المنطقي[1].
ففي
آية السؤال من أهل الذكر[2] نرى أنّها
نزلت بشأن المشركين لمكان جهالتهم بأصول النبوّات.
لكنّ
المشركين بما أنّهم مشركون لا مدخل لهم في الأمر، و إنّما موضع جهالتهم بالذات. و
كذا لم يكن لخصوص مسألة إمكان نبوّة بشر مدخل، بل كلّ أمر جهلوه سواء من الأصول أم
الفروع.
و
هكذا الرجوع إلى اليهود و مساءلة أهل الكتاب، إنّما كان لأجل كونهم أهل علم و
عارفين بما يجهله المشركون.
فلو
أعفينا تلك الملابسات، و أخذنا بلبّ الكلام، لكان المستخرج المستخلص منه: أنّ على
كلّ جاهل في أيّ مسألة من المسائل، أن يراجع العلماء في ذلك. و هذا هو فحوى الآية
الشامل و هي رسالة الآية العامّة إلى الملأ من العالمين.
و
هكذا في جميع الآيات التي هي بظاهرها نزلت بشأن خاصّ، لا بدّ أنّ في طيّها رسالة
عامّة هي أوسع و أشمل من ظاهر التنزيل و بذلك يخرج القرآن عن كونه معالجة لقضايا خاصّة
ترتبط و شئون أقوام عايشوه. و من ثمّ فالعبرة ببطن القرآن العامّ لا بظهره الخاصّ.
لكنّ
العمدة إحكام طريقة هذا الاستخلاص فلا يكون تحميلا أو تفسيرا بالرأي! فلا بدّ من
ضابط يضبط جميع أطرافه و أن لا يشذّ منه شيء.
ضابطة
التأويل
فإذ
كان للتفسير ضابطة يجب مراعاتها لئلّا يكون تفسيرا بالرأي، فأجدر بالتأويل- و هو
أفخم شأوا و أخطر جانبا من التفسير- أن تكون له ضابطة تجمع أطرافه و تمنع الدخائل.
فرعاية
[1] برهان« السبر و التقسيم» عبارة عن عدّ جميع
المحتملات الممكنة أو المفروضة، ثمّ يقام الدليل على نفي واحد واحد، حتّى ينحصر
الأمر في واحد منها ليتعيّن كونه العلّة الموجبة للثبوت، و بذلك يستكشف ملاك الحكم
المترتّب على موضوع ذي عناوين متعدّدة.
و من شرطه ليكون برهانا حقيقيّا،
أن تحصر المحتملات حصرا عقليّا من طريق القسمة الثنائيّة التي تتردّد بين النفي و
الإثبات. و إلّا فيمكن أن تكون هناك محتملات أخرى وراء هذا المفروض فلا يوجب
اليقين. راجع: أصول الفقه للمظفّر 2: 189، الباب 8( القياس) مطبعة النعمان- النجف
1967 م- 1386 ه و المنطق للمظفّر أيضا 1: 111 و 2: 132. مطبعة الزهراء- بغداد 1957
م- 1377 ه.