سورة
الحمد، في نظمها البديع و محتواها الرفيع، إرشاد إلى طريقة الابتهال إلى اللّه و
عرض الحاجة لديه تعالى. و من ثمّ فإنّ السورة قد ترتّبت على ثلاث مراحل متلاحقة:
اولاها: تمجيد شامل. و الثانية: انقطاع تامّ. و في النهاية: عرض الحاجة الملحّة.
فقد كانت المرحلتان الاوليان تمهيدا طبيعيّا لإمكان البلوغ إلى المقاصد المعروضة
في المرحلة الأخيرة.
تبتدئ
بالتحميد و التمجيد على أتمّ النّعم الشاملة: هو ربّ العالمين. ذو رحمة واسعة و
رأفة بعباده المخلصين. و في النهاية هو المالك لأزمّة الامور يوم الدّين. فهو
تحميد على المبدأ و المعاد.
ثمّ
انقطاع كامل تامّ، لا معبود سواه و لا مستعان إلّا هو. فلا ملجأ غيره تعالى على
الإطلاق.
و
أخيرا يأتي دور عرض الحاجة: شمول عنايته تعالى لعبده المحتاج إليه طول مسيرته في
الحياة، حتّى يصبح محبوّا بولاية اللّه و منعما عليه مع زمرة المنعم عليهم، مجانبا
فئة المعتدين الذين غضب اللّه عليهم، و جماعة المقصّرين الذين ضلّوا الطريق.
و
هذه المراحل الثلاث قد ترتّبت ترتّبا طبيعيّا، بحيث كانت كلّ مرحلة تمهيدا للورود
إلى المرحلة التالية:
فحيث
يقع التمجيد بتلك الصورة الشاملة، يتداعى منه إيجاب ذلك الانقطاع الكامل، و هذا
الانقطاع بدوره يستدعي عرض الحاجة بكلّ خشوع لديه تعالى في نهاية المطاف.