كان
قد تناول جماعة للدسّ في الحديث و التفسير، نزولا مع رغبات ساقطة و أهداف أخرى
شرحناها[1] و كانوا
قد أورثوا الأمّة أضرارا فادحة ربما لا تنجبر مع الأيام، إذ قد قلبوا الحقائق و
طعنوا في التشويه و التزوير الشيء الكثير.
و
حتّى قال الإمام أحمد: ثلاث كتب لا أصل لها: المغازي و الملاحم و التفسير. قال
المحقّقون من أصحابه: يعني أنّ الغالب على هذه الكتب أن ليس لها أسانيد صحاح
متّصلة الإسناد[2].
و
هذا الإمام محمّد بن إدريس الشافعي يقول: لم يثبت عن ابن عبّاس في التفسير إلّا
شبيه بمائة حديث[3]. مراده:
عدم صحّة الإسناد إليه في الكثير من المرويّات عنه.
و
هذا الكلام و إن كان مبالغا فيه، إلّا أنّه يدلّنا على كثرة ما دخل في التفسير من
أحاديث مكذوبة مصطنعة، فضلا عن الضعاف و المراسيل.
و
قد عقد أبو عبد اللّه القرطبي في مقدّمة تفسيره بابا للتنبيه على أحاديث وضعت في
فضل سور القرآن و غيره. قال فيه: لا التفات لما وضعه الواضعون و اختلقه المختلقون
من الأحاديث الكاذبة و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن و غير ذلك من فضائل
الأعمال، قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغراضهم و مقاصدهم في ارتكابها. ثمّ أخذ
في شرح تلك المقاصد و الآثار السيّئة التي ترتّبت على تلك المساوئ[4].
*
هذا أحمد بن عبد اللّه الجويباري- في عصر شيوخ الأئمّة[5]-
من أهل هرات، قال أبو حاتم محمّد بن حبّان: دجّال من الدجاجلة، كذّاب، يروي عن ابن
عيينة و وكيع و أبي ضمرة و غيرهم من أصحاب الحديث، و يضع عليهم ما لم يحدّثوا. و
قد روى عن هؤلاء الأئمّة ألوف حديث ما حدّثوا بشيء منها، كان يضعها عليهم[6].
قال
ابن عديّ: كان يضع الحديث لابن كرّام[7]،
على ما يريده، و كان ابن كرّام يخرجها في كتبه
[1] التمهيد 9: 37- 214. عند الكلام عن آفات التفسير
بالمأثور.
[7] هو: أبو عبد اللّه محمّد بن كرّام. كان صاحب بدعة و
مذهب في التجسيم و التشبيه. قال عنه الشهرستاني: و نبغ رجل متنمّس بالزهد من
سجستان، قليل العلم، قد قمش من كلّ مذهب ضغثا و أثبته في كتابه و روّجه على أغتام
غرجة و غور و سواد بلاد خراسان، فانتظم ناموسه و صار ذلك مذهبا و قد نصره محمود بن
سبكتكين و صبّ البلاء على أصحاب الحديث و الشيعة. و مذهبه أقرب إلى مذهب الخوارج،
و هم مجسّمة. و مذهبه في الإمامة هو الجمع بين إمامين في زمان. فقد قالوا بإمامة
عليّ و معاوية على سواء. توفّي ابن كرّام سنة 255.( الملل و النحل للشهرستاني 1:
31 و 108- 113).