كُلَّ سَاحِرٍ وَ أَذَلَّ كُلَّ كَافِرٍ وَ قَوْمُ عِيسَى أَطِبَّاءُ فَبَعَثَهُ اللَّهُ بِإِبْرَاءِ الزَّمْنَى وَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِمَا دَهَشَ كُلَّ طَبِيبٍ وَ أَذْهَلَ كُلَّ لَبِيبٍ وَ قَوْمُ مُحَمَّدٍ بُلَغَاءُ فُصَحَاءُ فَبَعَثَهُ اللَّهُ بِالْقُرْآنِ فِي إِيجَازِهِ وَ إِعْجَازِهِ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ الْفُصَحَاءُ وَ أَذْعَنَ لَهُ الْبُلَغَاءُ وَ تَبَلَّدَ فِيهِ الشُّعَرَاءُ لِيَكُونَ الْعَجْزُ عَنْهُ أَقْهَرَ وَ التَّقْصِيرُ فِيهِ أَظْهَرَ.
وَ الثَّانِي أَنَّ الْمُعْجِزَ فِي كُلِّ قَوْمٍ بِحَسَبِ أَفْهَامِهِمْ وَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ وَ أَذْهَانِهِمْ وَ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى وَ عِيسَى بَلَادَةً وَ غَبَاوَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ مِنْ كَلَامٍ جَزْلٍ[1] أَوْ مَعْنَى بَكْرٍ وَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ حِينَ مَرُّوا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ .. اجْعَلْ لَنا إِلهاً وَ الْعَرَبُ أَصَحُّ النَّاسِ أَفْهَاماً وَ أَحَدُّهُمْ أَذْهَاناً فَخُصُّوا بِالْقُرْآنِ بِمَا يُدْرِكُونَهُ بِالْفِطْنَةِ دُونَ الْبَدِيهَةِ لِتُخَصَّ كُلُّ أُمَّةٍ بِمَا يُشَاكِلُ طَبْعَهَا.
وَ الثَّالِثُ أَنَّ مُعْجِزَ الْقُرْآنِ أَبْقَى عَلَى الْأَعْصَارِ وَ أَنْشَرُ فِي الْأَقْطَارِ وَ مَا دَامَ إِعْجَازُهُ فَهُوَ أَحَجُّ وَ بِالاخْتِصاصِ أَحَقُّ فَانْتَشَر ذَلِكَ بَعْدَهُ فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ شَرْقاً وَ غَرْباً قَرْناً بَعْدَ قَرْنٍ وَ عَصْراً بَعْدَ عَصْرِ وَ قَدِ انْقَرَضَ الْقَوْمُ وَ هَذِهِ سَنَةُ سَبْعِينَ وَ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ مَبْعَثِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى مُعَارَضَتِهِ. الصَّاحِبُ
قَالَتْ فَمَنْ صَاحِبُ الدِّينِ الْحَنِيفِ أَجِبْ
فَقُلْتُ أَحْمَدُ خَيْرُ السَّادَةِ الرُّسُلِ
قَالَتْ فَهَلْ مُعْجِزٌ وَافَى الرَّسُولُ بِهِ
قُلْتُ الْقُرْآنُ وَ قَدْ أَعْيَا بِهِ الْأُوَلَ
الْقَيْرَوَانِيُ
أَعْجَزَتْ بِالْوَحْيِ أَرْبَابُ الْبَلَاغَةِ فِي
عَصْرِ الْبَيَانِ فَضَلَّتْ أَوْجُهُ الْحِيَلِ
سَأَلَتْهُمُ سُورَةً مِنْ مِثْلِ مُحْكَمِهِ
فَثَلَّهُمْ عَنْهُ حِينَ الْعَجْزِ حِينَ ثَلَّي[2]
ابْنُ حَمَّادٍ
فَمِنْ آيَاتِهِ الْقُرْآنُ يَهْدِي كُلَّ مَنْ فَكَّرَ
وَ لَوْ لَمْ يَكُ مِنْ آيَاتِهِ إِلَّا الْفَتَى حَيْدَرُ
.
فصل في آدابه و مزاحه ع
أَمَّا آدَابُهُ فَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَ الْتَقَطَهَا مِنَ الْأَخْبَارِ كَانَ النَّبِيُّ ص أَحْكَمَ النَّاسِ وَ أَحْلَمَهُمْ وَ أَشْجَعَهُمْ وَ أَعْدَلَهُمْ وَ أَعْطَفَهُمْ لَمْ تَمَسَّ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ وَ أَسْخَى النَّاسِ لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَ لَا دِرْهَمٌ فَإِنْ فَضَلَ وَ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيهِ وَ يُجِنَّهُ اللَّيْلُ لَمْ يَأْوِ
[1] من جزل بضم الزاء المعجمة: اي فصح فهو جزل.
[2] ثلهم ثلا و ثللا: اهلكهم- و الدار: هدمه.